نديم الحب
مــؤسس المــوقع
::::[بيـانـات العضـو]::: : مَُشَارِكآتي : 15151 ألعمــُـر : 35 نَقَّاطَيّ : 19321 سَمِعَتيََ : 143 ألقــسم ألمفــُضل : الاسلامي دولـتـي : جـنســي : العمل : الهواية : المزاج : المنتدى للبيع :
تواصل واتس
+967772204567
معلومات واضافات Groups forum Nadim Love:
| موضوع: التكتيك العسكري والخطط القتاليه الميدانيه والحمايه | حرب العصابات والحرب المضـادة| الأحد أبريل 25, 2010 10:21 am | |
| حول حرب العصابات والحرب المضـادة ريح الثورة – الإرادة الشعبية هي مفتاح الاستراتيجية – المواجهة بين المالكين والمعديمن – أوهام الانتفاضة المضادة – حرب العصابات كامتداد للسياسة – الثغرات في درع الدول الحديثة - لقد تجمع أكبر أسطول من الهليكوبتر في التاريخ – ثمان وسبعون طائرة هليكوبتر مسلحة بالصواريخ والرشاشات، وألف من مشاة الاقتحام – فوق قطاع بن كات الذي يسيطر عليه الشيوعيون. وكان يدعم هذا الاسطول أربعة آلاف من القوات الخاصة (رانجرز) والمجموعات المضادة لحرب العصابات. وكان على هذه القوات أن تحاصر قوة أكبر قوة من الثوار الفيتناميين، تضم 1500 – 2000 رجل، كانوا قد هزموا قبل أسبوعين أربع كتائب حكومية في كمين تام الإحكام. - وكان سر هذه العملية أقل الأسرار كتماناً خلال هذه الحرب. ففي سايغون، أنذر ضباط الاستخبارات المصورين من قبل عدة أيام، والنتيجة: أنه عندما وصلت القوات إلى القطاع كان معظم الثوار قد غادرو. -التايم 21 آب 1964) * * * - انتشرت سريتان من الكوماندوس الفيتناميين الجنوبيين في حقل من الأعشاب الطويلة على بعد أربعين كيلومتراً شمالي سايغون. وكان مهمة هاتين السريتين، تخليص مركز هاجمه رجال العصابات الشيوعيون. وتقدم الجنود بحذر وتوقفوا لاستراحة قصيرة في غاية من أشجار المطاط، ثم اندفعوا إلى حقل مكشوف، وتوجهوا نحو مجموعة من الأكواخ على بعد أربعمائة متر. - وفجأة انطلقت أصوات أسلحة آلية، فسقط رجال وتفرق آخرون. وانبطح الملازم وليام ريختر، المستشار العسكري الأمريكي، وعندما رفع رأسه رأى الثوار الفيتناميين النظاميين بثيابهم الخضراء يتقدمون لإكمال المجزرة. فوقف على قدميه محاولاً إيجاد ملجأ، فتلقاه ثوار آخرون تحت نيرانهم المتقاطعة، فأصيب في فخذه وسقط، لكنه استطاع متابعة الزحف حتى الدغل. ولقد ساعده الناجون لمدة ستة ساعات، وأخذ يجر نفسه حتى وصل إلى قاعدته في بنه مي ولقد حالفه الحظ إذ مات خمسون من رجال الكوماندوس الحكوميين. - وفي المعسكر قال الملازم: لقد تركونا ندخل إلى المصيدة، وأغلقوا بابها وراءنا، ثم قاموا بمجزرتهم، وقد تركناهم يفعلون ذلك بدون حذر . - وقد عقب على ذلك أحد الضباط العظام الأمريكيين بقوله: " إنها القصة ذاتها دوماً ". وذلك حقاً ما يدور في فيتنام يومياً، مع تغيرات في التفاصيل والشدة. مراكز عسكرية تُقتحم، وموظفون يتعرضون للاغتيال، وقرى تحرق. هناك حقيقة حزينة لا بد من ملاحظتها: إن الشيوعين أدنى مرتبة في التسليح والفعالية، لكنهم يهزمون الجيش الفيتنامي الجنوبي المؤلف من أربعمائة ألف رجل، والذي يدعمه ويقوده سبعة عشر ألفاً من المستشارين الأمريكيين، والذي يتلقى عوناً يومياً من الولايات المتحدة الأمريكية يصل إلى مليوني دولار. ستانلي كرنوف :عدونا ساتردي ايفننغ بوست 22 آب 1964 تلك هي حرب العصابات: حرب المغاورين التي خاضها الأتصار الأسبان ضد جيوش نابليون، والتي أصبحت في زمننا هذا ( شبه علم ) سياسي عسكري، ونظرية اجتماعية ماركسية – لينينية، وابتكاراً تكتيكياً في الوقت نفسه. لقد بدلّت علاقات القوى في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي في طريقها إلى تدمير مفاهيم أركان حرب الدول الغربية، والتي أصبح همها الرئيسي، والذي يتزايد يوماً بعد يوم، أن تفهمه وتكافحه وتحاربه. لقد أصبحت حرب العصابات الظاهرة السياسية لمنتصف القرن العشرين، كما أنها الريح المرئية للثورة التي تحمل الأمل والخوف إلى قارات ثلاث. وفي اللحظة التي نحرر فيها هذا الكتاب (1965)، نراها قائمة في حوالي عشرين بلداً، من انغولا إلى العراق، ومن الأدغال الكونغولية إلى الأكواخ في ضواحي كراكاس. لقد أصبحت الهم الرئيسي للبنتاغون، ولوكالة الاستخبارات المركزية، ولمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وهي تتخذ شكلاً يائساً غالباً ما يكون صامتاً في نصق كرتنا، في غواتيمالا وفنزويلا وكولومبيا، وتهدد بالانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وتؤثر بدون شك على فكر المناضلين السود من هارلم حتى أعماق الجنوب (الأمريكي)، كما يبرهن على ذلك استعمال (كوكتيل مولوتوف)، الذي أصبح سائداً في شوارعنا. إنها تدمر في العالم بقايا الإقطاعيات والاستعمار التقليديين، وتستخدم حالياً قبل كل شيء، ضد الاستعمار الجديد وما يسميه الاصطلاح الماركسي بالامبريالية – أي السيطرة الاقتصادية والسياسية (وأحياناً العسكرية) على الأمم الضعيفة الفقيرة اقتصادياً، من قبل الأمم الغنية القوة المتطورة تكنولوجيا. فهي في البلدان النامية تحرر الجماهير من قمع الطبقات المميزة والمركنتيلية، وقمع الأوليغارشيه، والطغم العسكرية وقد يؤدي ذلك إلى وقوع هذه الجماهير تحت سيطرة الدولة الاشتراكية. وهي من زاوية ما، سلاح قوي، سيف تحرير وطني وعدل اجتماعي، كما أنها من زاوية أخرى، وسيلة مدمرة وخطرة، تنمو وسط الفوضى والتوتر الاجتماعي والانفجار الاقتصادي والفوضى السياسية، وتحول الفلاحين المسالمين متعصبين مسلحين. إنها تولد انتماءات جديدة، ومواجهة جديدة للقوى تعادل عملياً الحرب الباردة، وهي متفوقة عليها. إنها في جوهرها مواجهة بين ( من يملكون ) ومن ( لا يملكون )، بين الأمم الغنية والأمم الفقيرة. إنها تعيد صياغة العالم الذي عرفناه وقد تقرر نتيجتها شكل المستقبل المتوقع وجوهره، ليس فقط على مسارح العمليات الحالية الواسعة والقائمة، بل وفي كل مكان أيضاً. ويمكننا أن نتساءل: ما هي حرب العصابات؟ ماذا نستطيع أن نفعل ضدها... أو معها؟ كيف نضع حداً لها أو كيف نستغلها؟ فهل هي كل شيء يمكن أن نستعمله على هوانا كأداة سياسية وطنية أو كوسيلة للنصر. فحسب الكتابات الكثيرة التي ظهرت في غضون أكثر من عشرين عاماً، يمكن أن نطلق عليها اسم: الفترة التالية للاستعمار، يمكن وضع تعريف لحرب العصابات، ولكن هذا التعريف يطرح بدوره أسئلة لا بد من الإجابة عنها. إن حرب العصابات، بالمعنى الواسع الذي نطلقه عليها، هي حرب ثورية، تجند سكاناً مدنيين أو على الأقل جزءاً من السكان، ضد القوى العسكرية للسلطة الحكومية، القائمة شرعياً أو المغتصبة. وتختلف الظروف من حالة إلى أخرى، فقد تكون السلطة أجنبية، وتمثل إسرائيل والجزائر مثالين جيدين – أو بالأحرى استعمارية، وبمقابلها كل السكان المحليين، تحت قيادة طليعة من المناضلين. وفي حالة أخرى – جنوبي فيتنام وكوبا مثلاً – نرى أن السلطة محلية، والحكومة مستقلة على الأقل اسمياً، أما المعارضة فهي زمرة من سياسية تعارض أيديولوجية النظام وشرعيته. وهنا أيضاً تختلف الحالات، فحرب الثوار الفيتناميين حرب أيديولوجية، اصطبغت بشدة بصراع الطبقات، وبوطنيتها القوية. ورغم أن الشيوعيين هم الذين يقودونها، لكنها تتجاوب ليس فقد مع أماني الذين يرون فيها حرباً ضد الفقر والاستغلال، بل مع أماني الذين تقززوا من فساد الطبقات الحاكمة أيضاً. وهي تجذب الذين لا يريدون أن يتحملوا ديكتاتورية عسكرية، كما تجذب أيضاً كتلة القوميين الفيتناميين ( الذين كنا سنسميهم الوطنيين لو كنا في مكانهم )، والذين يرون في الصراع استمراراً للنضال الطويل ضد الاسعمار الفرنسي، الذي حل محله أجانب آخرون هم الأمريكيون، الذين يقومون باسم الحرية والديمقراطية بمساندة وتوجيه الطغم العسكرية الحاكمة المتعاقبة. وإذا كان لحرب فيتنام جذور ايديولوجية وقومية، فإن الثورة الكونية لم يكن لها جذور مماثلة مرئية. فلقد بدأت كاحتجاج مثالي (idealistic) لفئة قليلة ذات توجه سياسي غير واضح تماماً – ليبرالية إلى حد ما، اشتراكية نوعاً ما، مصبوغة بالفوضوية الإسبانية – وكاحتجاج ضد الفساد والقمع في دولة بوليسية. ولم تكن نزاعات الطبقات فيها واضحة، كما لم تشكل القومية فيها عاملاً ظاهراً. أما الصدام مع المصالح الأجنبية والإقطاعية، ومعاداة الولايات المتحدة، والبروليتارية المناضلة. والشعارات الماركسية للثورة الكونية، فقد جاء كتطورات لاحقة، تلت طرد باتيستا ولم تسبقه. وفي المغرب (1952 – 1956) ركز القوميين من حزب الاستقلال قضيتهم حول الصورة الرمزية للسلطان محمد سيدي بن يوسف، وأجبروا بن عرفة الذي حل محله على التنازل، وهزوا الحماية الفرنسية. أما في إسرائيل، فقد أعطت الدفعات القوية الدينية والعراقية صفة حرب دينية للنضال في سبيل الاستقلال. وفي كثير من الدول الأفريقية ( الكونغو والكاميرون وانغولا ) لعبت خصومات القبائل وطموحاتها دوراً لا يقل أهمية عن دور مقاومة الاستعمار. القومية، والعدالة الاجتماعية، والعرق، والدين – تحت هذه المعاني المجردة والرمزية، التي تشكل صرخات التجمع للثورات في العشرين سنة الأخيرة – يمكن أن نكتشف لها مبدأ موحداً هو قاسمها المشترك. إنه دفع ثوري، وانبثاق الإرادة الشعبية، وليس لهذا كله صلة قوية مع قضايا الهوية القومية والعرقية، وتقرير المصير، وأشكال الحكم، والعدالة الاجتماعية، التي تشكل الشعارات المألوفة في الانتفاضة السياسية. وليس من المؤكد بأن الحرمانات الاقتصادية تمثل بحد ذاتها العامل المقرر الذي نراه في الانتفاضة السياسية بصورة عامة. ومن المعروف أن العوز والقمع هما من طبيعة الحياة، على كوكبنا، ولقد تحملتها أجيال لا تحصى دون أن تنبس ببنت شفة تقريباً. إن إرادة التمرد إلى حد يجعلها اليوم شبه كونية، تبدو وكأنها شيء آخر أكثر من الارتكاس ضد الظروف السياسية أو الأوضاع المادية. إنها تعبير على ما يبدو عن وعي قد استيقظ مجدداً، ليس بالنسبة إلى ( قضايا ) بل بالنسبة إلى ( الوجود بالقوة ) إنه اكتشاف متنامٍ للإمكانات التي يقدمها الوجود الإنساني، متزامل مع حس متعاظم للطبيعة السببية للكون، وبفضل هذين العاملين يستوحي الأفراد أولاً، ثم الجماعات، فالقوميات، وضعية كاملة الجدة إزاء الحياة. والأثر الناجم عن هذا الوعي الفجائي، هو أن يظهر في المناطق من العالم المسماة ( نامية ) رغبة ملحة في التغيرات الجذرية القائمة على إدراك جديد بسيط، بأن الشروط الوجود، المعتبرة حتى الآن كشروط لا تتبدل، يمكن في الواقع أن تتغير. وهكذا تصبح التحديدات المقبولة مسبقاً غير محتملة، وتفتح إمكانية التعديلات الوشيكة الوقوع آفاقاً لم يكن التفكير فيها وارداً حتى الآن، وتولد الرغبة للفعل، وكأن الجميع يقولون في وقت واحد في كل مكان: " هذا ما يمكن أن نكونه أو ما نحصل عليه، شريطة أن نعمل، ماذا ننتظر إذن؟ فلنفعل ". وعلى كل حال، فإن ذلك يمثل الحالة النفسية للتأثير الحديث، لرجل العصابات، مهما كانت شعاراته أو قضيته. وسلاحه السري، بغض النظر عن كل مسألة استراتيجية أو تكتيكية أو تقنية، ليس سوى القدرة على الإيحاء بهذه الحالة الفكرية إلى الآخرين. وليست الهزيمة العسكرية للعدو، أو قلب الحكومة، إلا أهدافاً ثانوية في هذا الاتجاه، ستأتي فيما بعد. إن الجهد الرئيسي لحرب العصابات هو أن تثير تمرد السكان، الذين لا يمكن لأية حكومة أن تدوم طويلاً دون موافقتهم. فرجل العصابات مهدم للنظام القائم، لأنه ينشر الأفكار الثورية. وتعطي أفعاله قوة إلى عقيدته، وتبين السبيل نحو التغير الجذري، ومن الخطأ أن نعتبره منفصلاً عن مرقد استنبات الثورة. إنه يُخلق من المناخ السياسي الذي تصبح فيه الثورة ممكنة، ويمثل هذا المناخ التعبير وعنصر الاستقطاب للإرادة الشعبية في مثل هذا التغيير. إن فهم رجل العصابات يجنبنا مصيدتين كبيرتين، غموضين خطيرين، يبدو أن اختصاصيي مقاومة الانتفاضة يقعون فيهما بسهولة. وتتمثل المصيدة الأولى في ( نظرية التآمر ) التي تعتبر أن فكرة الثورة هي نتيجة ( مشوهة عادة ) لوسيلة التلقيح الصناعي، وإن نواة حرب العصابات وهي العنصر المخضب في هذا المجا، تتألف من أشخاص هامشيين، ومتآمرين، وسياسيين زراعي قلاقل – وبلغة أخرى عناصر هامشية، تتواجد نوعاً ما منفصلة عن وسطها الاجتماعي، وتوجهه نحو غايات غامضة وخطرة. والمصيدة الثانية هي سفسطة الطريقة، المغذاة – على الأقل حديثاً – من قبل معظم العسكريين الأمريكيين من أنصار الفكرة القديمة القائلة بأن حرب العصابات هي، قبل كل شيء مسألة تكتيك وتقنية، يلجأ إليها أولئك الذين يمكن أن يحتاجوا لاستعمالها في كل مواقف الحرب غير النظامية. فالخطأ الأول صلف وساذج في الوقت نفسه، ونراه يتردد في بلاغة الليبرالية الغربية، مبيناً الديمقراطية السياسية ( أي الانتخابات الحرة ) وكأنها الشيء المرغوب فيه. ومتجاهلاً أهمية الثقة في القرارات الشعبية، ومفترضاً ضمناً أن عناصر الجماهير بلهاء وشديدة الجهل والانفعال، لدرجة لا تسمح لها بأن تفكر بمفردها، أو أن تكون لها الإرادة الحرة أو القدرة على شن حرب ثورية. وكنتيجة لهذين الخطأين، تفسر الثورة قائلة فعلاً، على أنها نتيجة ألاعيب عناصر مشبوهة أداتها رجال العصابات المستغفلون وعناصر من المتطوعين التابعين لقوة أجنبية، أو المعتنقين على الأقل لفلسفة سياسية أجنبية . وإذا أخذنا الأمور على مستوى السذاجة، فذلك يفترض أن الناس لا يختارون الطريق الثوري بملء إرادتهم. كلا وبالتأكيد عندما تكون الثورة المعينة لا تتوافق مع التقاليد والمثل العزيزة على الأمريكيين. وفي هذا الموضوع لنسمع ما يقوله الرئيس ايزنهاور: " يجب أن نعلمهم ( يقصد الفيتناميين ) بما يجري، وأن نقول لهم كم هو هام بالنسبة إليهم أن يكونوا إلى جانبنا، وعندها سيريدون اختيار النصر " . وللأسف إن النصر الذي يبدو أنهم اختاروه لم يكن ما اقترحه الرئيس ايزنهاور!. إن معظم واضعي السياسة الخارجية الأمريكية، والمختصين بذلك العلم السياسي – العسكري الجديد عن الانتفاضة المضادة ( نظرية الثورة المضادة ) أو يمكن أن تصبح، صراعات بين ( نظامين ) عالميين: الشيوعيين من جهة، والأمريكيون وحلفاؤهم من جهة أخرى، أما الأشخاص المعنيون مباشرة، فليسوا إلى أحجار شطرنج، يحركهم هذا المعسكر أو ذاك. ويجد الأمريكيون أنفسهم ( الأجانب ) الأكثر تكراراً في كل المواقف الثورية ( فيتنام، كوبا، إيران، غواتيمالا، البرازيل، الكونغو، فنزويلا... إلخ). فليس من المدهش إذن، وبحسب سيكولوجية الحرب الباردة، أن نفتش عن معارضينا الروس أو الصينيين في منطقة النزاع، وعندما نجدهم أو يخيل إلينا وجودهم، نلبسهم الدور الرئيسي. وهكذا نرزح تحت عبء لا معقولية غريبة، تبدو فيه إمكاناتنا للملاحظة معدومة. إن الخلاصة التالية من المقال المعنون ( مرافعة عن الواقعية في جنوبي شرقي آسيا لروجر هيلسمان )، الذي كان مديراً لشؤون الشرق الأقصى في وزارة الخارجية الأمريكية، هي خلاصة نموذجية في هذا الصدد: - إن كل تحليل للموقف في جنوبي فيتنام، يجب أن ينطلق على الأرجح من حقيقة أننا لا نخوض فيه حرباً حقيقة. فالمشكلة سياسية أكثر منها عسكرية، مع أعمال من الأرهاب وليس مع معارك. فمن مجموع السكان البالغ أربعة عشر مليون نسمة، لم يجند الفييتكونغ إلا ثمانية وعشرين ألفاً إلى أربعة وثلاثين ألفاً من رجال العصابات النظاميين، بالإضافة إلى ستين ألفاً وحتى ثمانين ألفاً من المساعدين المؤقتين. وتشبه الحملة الصراع ضد عصابات المجرمين في الثلاثينيات، أو ضد الشبان الإرهابيين في نيويورك حالياً، أكثر مما تشبه حرب كوريا أو الحرب العالمية الثانية. وبشكل إيجابي جداً، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) لديه من التجربة ليعالج هذه المشكلة أكثر مما لدى القوات المسلحة. - مجلة نيويورك تايمز، 23 آب 1964 وبدون أن نحسب حساباً إلى سخف المقارنات – الشبان الإرهابيون – فإنه من الواضح بأن هذا التحليل يتضمن نقاط ضعف خطرة في مجالي الملاحظة والتفسير. فمن مجموع السكان البالغ أربعة عشر إلى ستة عشر مليوناً، لم يضم الفيتكونغ ثمانية وعشرين ألفاً من رجال العصابات بل ضموا ما لا يزيد عن ثمانية وعشرين ألفاً كحد أقصى، ولكن القرار الذي اتخذه الرئيس جونسون بقصف شمالي فيتنام في بداية العام 1965، يبين لنا بوضوح أهمية هذه القوة. ونذكر على سبيل المقارنة، إن رجال عصابات فيديل كاسترو والمقاتلين في جزيرة تضم سبعة ملايين نسمة تقريباً، لم يزيدوا أبداً عن ألف وخمسمائة رجل مسلح. ومع ذلك، وفي كانون ثاني 1958، عندما شطرت معركة مدينة سانتا كلارا الفاصلة البلاد إلى قسمين، فإن المدينة – كلها ما عدا الحامية العسكرية – ألفت نفسها غارقة في النزاع. وعندما هرب باتيستا من البلاد في آخر يوم من السنة، أعلن كل سكان كوبا عملياً انضمامهم إلى النصر المكتسب. وبدا وكأن الثوار لم يكونوا معزولين بل كان البلد كله معهم. أما عن الركيزة الشعبية التي يتمتع بها الفيتكونغ في جنوبي فيتنام، فإن هيلسمان نفسه يعترف قائلاً: " في الأغلبية الساحقة يتطوع الفيتكونغ في الجنوب، ويأتيهم منه الغذاء والكساء، ويقتطعون منها ( ضرائب ) حتى يستجلبوا مؤناً أخرى عن طريق كمبوديا ". وعن الموضوع نفسه كتب وولتر ليبمان في نيويورك هيرالد تريبيون في نيسان 1964: " إن الحقيقة التي تخفى على الشعب الأمريكي، هو أنه ليس لحكومة سايغون سلطة إلا على ثلث السكان، وهي لا تمارس رقابة ( حتى خلال النهار ) إلا على ربع أراضي البلاد، على أكبر تقدير ". ومن المتوجب أن يكون واضحاً، بأن الجيش الفيتنامي الجنوبي المؤلف من أربعمائة ألف رجل، تساعده فرقتان من ( المستشارين العسكريين الأمريكيين ). وأرماداً من المطاردات وقاذفات القنابل وطائرات الهيلكوبتر، ودعم مالي يومي يعادل مليوني دولار، لا يستطيع هذا الجيش فمع الانتفاضة. فالمسألة إذن ليست قضية ( شبان إرهابيين ). أما الخطأ الناجم عن الاعتقاد بأن ثورة الفيتكونغ هي من عمل قلة متعصبة موجهة من الخارج، فإنه لا يستطيع الصمود أكثر من خطأ ( الشبان الإرهابيين ). ولا تزال واشنطن تدعم هذا الخطأ لأسباب سنراها فيما بعد. هل يمكن استخدام تكتيك حرب العصابات ضدها وبنجاح؟ يجب أن نجيب بالنفي حتى لا نقع في مغالطة منطقية للطريقة، فأولئك الذين يقاتلون الهنود الحمر لا ينقلبون إلى هنود حمر إذا سلخوا فروات الرؤوس. كما أن الزي المبرقش بلون الغابات لا يحول مشاة البحرية الأمريكيين ( المارينز ) إلى ( رجال عصابات - وقد أثبتت تجارب الحرب العالمية الثانية وما تلاها من نزاعات، بأن جنود الكوماندوس ليسوا ( رجال عصابات )، وكذلك أولئك الذين يهيئون الآن فيما يسمى مدارس الحرب المضادة لحرب العصابات، مع أنه يُدرَّس فيها التقنيات المميزة لحرب العصابات، كالهجمات الليلية والكمائن، والإغارات البعيدة عن القواعد العسكرية... إلخ. إن هذه التقنيات قديمة قدم الحرب نفسها ويمكننا أن نتصور بأنها استعملت من قبل رجال ( كرومانيون ) ضد رجال أواخر العصر النياندارتالي، كما استعملته ( البروتون ) ضد ليجيونات يوليوس قيصر، وهي ما زالت مستعملة من قبل متوحشي غابات كولومبيا، ومن قبل صيادي الرؤوس الباقين على قيد الحياة في غينيا الجديدة. وليس صيادوا الرؤوس ( رجال العصابات ). ومن السهل تمييز ذلك فعندما نتكلم عن رجال العصابات، يتداعى في أفكارنا معنى النصير السياسي، فهو مدني مسلح، وسلاحه الرئيسي ليس البندقية أو الساطور، بل علاقته مع الجماعة، مع الأمة التي يقاتل ضمنها وفي سبيلها. والانتفاضة أو حرب العصابات، عبارة عن فعل يحث على تغيرات من الثورة المضادة، أي الطريقة التي تتم بها مقاومة الثورة. إنهما وجهان لعملة واحدة، ومن الضروري ألا نخلط بينهما، أو بين عواملهما، بسبب تماثلهما. وبسبب الطبيعة السياسية للصراع، وتفاوت الوسائل التي بحوزة المعسكرين، وخاصة بسبب التناقض التام لأهدافهما السياسي، فإن التكتيكات الأساسية المطبقة في حرب العصابات، غير قابلة للتطبيقمن قبل الجيش الذي يقاتل العصابات، ولن تكون قابلة للتطبيق، وبشكل محدود جداً، إلا من قبل ( الإختصاصيين ) العاملين في القوات الأمريكية الخاصة، التي يمكن أن تحاول تقليد تكتيكات العصابات. والأسباب تامة الوضوح. أولاً، لأن رجل العصابات يمتلك المبادرة فهو الذي يبدأ الحرب، ويقرر أين ومتى يضرب. وعلى عدوه العسكري أن ينتظر مستعداً لمواجهته في كل مكان. ويجد جيش الحكومة نفسه، قبل وبعد بداية الحرب، في موقف الدفاع بسبب دوره كشرطي مكلف بحراسة الممتلكات العامة والخاصة. ولدى الجندي أشياء كثيرة للدفاع عنها: كالمدن، والتجمعات السكانية، والأراضي الزراعية، والمواصلات، والتجارة، والقاعدة الصناعية، بالإضافة إلى العسكرية البحتة: كالمواقع، والمخافر الأمامية، وخطوط التموين، والقوافل، والمطارات، والقوات نفسها مع أسلحتها الثمينة، التي تشكل واحداً من أوائل أهداف رجال العصاباتحتى يتسلحوا بها. وأخيراً فإن عليه أن يحمي ويساند جهازاً سياسياً خاضعاً لتوتر خطير منذ قيام الانتفاضة المكشوفة. ففي كل هذه المجالات، يكون للنظام المعني وذراعه العسكري نقاط ضعف حساسة جداً بالنسبة إلى عدو يمكن أن ينزلق كالريح. وإذا كان الجيش يعاني من موارده، وخاصة من المعدات العالية التكاليف التي لن يستعملها ( المعدات الذرية مثلاً )، فإن رجل العصابات يتمتع بكل الحرية التي يكتسبها من الفقر. فهو لا يمتلك إلا بندقيته وقميصه، وليس له إلا حياته ليدافع عنها. فهو لا يحتل أية أرض، وليس لديه أي جهاز عسكري يتطلب صيانة صعبة، ولا يمتلك دبابات تتعرض للمخاطر في المعركة، ولا مواقع يمكن أن تُحاصر، ولا وسائل مواصلات معرضة للتدمير من قبل الهجمات الجوية، أو طائرات يمكن أن تسقط، أو فرقٍ يمكن أن نقصف، أو أية أرتال آلية لتُحمى من الأفخاخ، ولا قواعد أو مستودعات لا يتسع له الوقت لتركها على الفور. إنه يمكن أن يجيز لنفسه بأن يهرب عندما لا تتوافر لديه في القتال فرص جيدة لإحراز النصر، وأن يتفرق ويختبئ عندما يصبح التجول من عدم الحذر. وفي أقصى الحالت، يمكن له أن يندمج مع الشعب المسالم – ذلك البحر ( حتى نستعمل استعارة ماوتسي تونغ المشهورة ) – الذي لا ينبغي على رجل العصابات أن يسبح فيه كالسمكة. ويجب أن نبين منذ الآن، بأن الشعب يشكل مفتاح الصراع كله. وبالواقع، ومهما بدت الفكرة مغيظة للمحللين الغربيين، فإن الشعب هو الذي يقود الصراع. فرجل العصابات ينتمي إلى الشعب، بنفس المقدار الذي لا يستطيع فيه جندي الحكومة أن ينتسب إليه ( لو لم يكن النظام قد فقد محبة الشعب لما اندلعت الثورة ). إن رجل العصابات يقاتل بمعونة الجماهير الشعبية المدنية، التي تشكل تمويهه، ومنابع امداده، ومصدر تطوعه، وشبكة اتصالاته، ومصلحة استخباراته، الموجودة في كل مكان والشديدة الفعالية. فبدون رضاء الشعب ومساعدته الفعالية، يتحول رجل العصابات إلى قاطع طريق، ولا يبقى طويلاً على قيد الحياة. ولو استطاع الجندي المضاد للعصيان أن يحصل على المساعدة نفسها، لما وُجد رجل العصابات أصلاً، لما كانت هناك حرب أو ثورة، ولنامت القضية، وانطفأت الرغبة الشعبية في التغيير الجذري. وهكذا نصل إلى المسألة الجوهرية الخاصة بالأهداف التي يبني المعسكران عليها بالضرورة، تكتيكيهما واستراتيجيتيهما. فرجل العصابات، هو قبل كل شيء داعية، ومحرض، وباذر للأفكار الثورية (الجهادية)، وهو يستخدم الصراع نفسه – القتال المادي – كأداة للتحريض، وهدفه الأساسي رفع مستوى الاستباق الثوري، ثم المشاركة الشعبية حتى النقطة الحرجة، حيث تصبح الثورة عامة في البلاد، وتكمل الجماهير الشعبية العمل النهائي، أي القضاء على النظام القائم، والقضاء ( غالباً وليس دائماً ) على الجيش الذي يحميه. وبالمقابل فإن هدف القوات المضادة للثورة سلبي ودفاعي، ويتضمن تأمين استتباب النظام، وحماية الملكية، وصيانة الأوضاع والمصالح الموجودة بقوة السلاح، بعد أن خابت وسيلة الإقناع. وقد تكون الوسائل المستخدمة سياسية عندما تتضمن اقناعاً أشد: كالوعود بالاصلاحات الاجتماعية، والاقتصادية، وشراء الضمائر، والدعاية المضادة بمختلف الأشكال. لكن قبل كل شيء، يجب على القوات المضادة للثورة أن تدمر الثورة عن طريق تدمير وعودها، أي البرهنة عسكرياً بأنها لا يمكن أن تنجح ولن تنجح. ولهذا لا بد من القهر الكلي للطليعة الثورية، وإبادتها مجزأة حيثما وجدت. والخيار البديل هو إهمال الجهد العسكري في سبيل الحل السياسي – مثلاً تقسيم فيتنام بعد ديان بيان فو، أو الحل الجزائري... إلخ – أو بقول آخر: حل وسط أو الاستسلام الكامل. وإذا حكمنا بحسب التجارب الحديثة، فإن نصراً عسكرياً على حرب عصابات حقيقية يبقى مشكوكاً فيه، إلا إذا لجأنا إلى طرقٍ متقاربة من الإبادة الجماعية، كما فعل الألمان في بعض المناطق خلال الحرب العالمية الثانية. ولايستطيع الجندي المضاد للعصابات أن يتغلب على رجل العصابات بتقليده، لأنه الغريب الموقف الثوري ولأن أعماله هي على النقيض من أفعال رجال العصابات حتى عندما يمكن أن يتواجد بعض التناظر بينهما. إن مجرد البقاء على قيد الحياة بالنسبة إلى رجل العصابات هو نصر سياسي فذلك يشجع المعارضة الشعبية للنظام المعني وينميها. ويستطيع رجل العصابات أن يتنكر بزي فلاح – وقد يكون فلاحاً بالفعل – متابعاً نشر رسالته الثورية. أما الجندي المضاد للثورة، فإنه يغدو في الحالة المماثلة دليلاً للشرطة، ولا يستطيع نشر أية رسالة. ويستطيع رجل العصابات أن يضرب ويسرع في الانسحاب، وتكسبه كل إغارة ناجحة أسلحة وذخائر وتؤمن له بعض الدعاية. ولا يحصل الجندي المضاد للعصابات على أي شيء من مثل هذا التكتيك – حتى إذا استطاع استعماله – فحملته العسكرية يجب أن تكون مستمرة ذات تأثيرات متجمعة. فإما أن ينظف البلد من رجال العصابات، وإما أن يفشل في تحقيق ذلك. وفي هذه الحالة الأخيرة فإنه يستمر في الخسارة. إن التمييز الذي لا نقوم به هنا بين حرب العصابات كتقنية سياسية – عسكرية، وبين حرب العصابات البسيطة ( قطع الطرق من قبل المجرمين، أو استعمال التقنيات غير النظامية للحرب من قبل تشكيلات عسكرية نظامية )، تمييز جوهري، وليس اعتباطاً كما يمكن التفكير للوهلة الأولى. فقد كانت هناك دائماً انتفاضات شعبية، إلا أنها فشلت عادة أو حققت انتصارات محدودة، لأن تقنيات اليوم لم تكن قابلة للتطبيق في الموقف التاريخي. إنها وسيلة أخرى للقول بأن الأغلبيات الشعبية، أي الجماهير غير المتخصصة للمجتمعات قبل الصناعية لم تكن لتستطيع ممارسة الفعل السياسي أو الاقتصادي. فأقنان العصور الوسطى مثلاً، لم يكونوا قادرين على مقاومة القوم العسكرية الاقطاعية، ليس فقط لأنهم لم يكونوا يملكون الأسلحة والمعارف الضرورية، ولا الوعي والالتحام السياسيين، بل لأنهم لم يكونوا يمتلكون أية وسيلة أخرى للتأثير السياقات الاقتصادية والسياسية لعالمهم. واقتصادياً، كانوا طيعي القيادة، لأنهم كانوا يعيشون على الكفاف الذي يجعلهم مضطرين للخنوع. فلم يكونوا قادرين على التفكير برفض عملهم وهو سلاحهم الاقتصادي الوحيد. وكانوا معزولين في أوضاعهم الفظة، وفي جهلهم، لذا فقد عاشوا تحت مستوى السياسة. فإذا ماتوا من الجوع أو ثأروا وقتلوا بسبب ثورتهم، فإن أحداً لم يكن يهتم بذلك، كما أن الطبقة الحاكمة لم تكن تتأثر أو تُدان. أما الثورات اللاحقة، منذ عصر النهضة وحتى ثورة روسيا، دون أن ننسى الثورة المكسيكية (1910-1917)، فقد كانت لها صبغة بورجوازية، أو أنها اتخذت تلك الصبغة بسرعة بعد البداية الشعبوية ( تمييزاً عن الشعبية ). أما الشعار ( حرية – مساواة – إخاء ) فلم ينطبق إلا على البورجوازية الكبيرة والصغيرة، وبعد فاصل يعقوبي قصير ( ظاهرة معبرة إن كل المؤرخين البرجوازيين يخشون ويشجبون البروليتاريانية لعصر الإرهاب )، لأنه في النهاية، كانت البرجوازية تمتلك لوحدها – الغنى ووسائل الانتاج – فتأخذ بقيادة الصراع مع الارستقراطية المالكة للأرض. ومع أنه حدثت تبدلات في الطبقات، وتوافرت شعارات من النوع الديممقراطي لكن الجماهير غير المتخصصة أو التي لا تمتلك أرضاً بقيت مغمورة. لقد كان بإمكانها أن تتوقف عن العمل، وتموت من الجوع، لا بأس؛ لأن عدد الشحاذين واللصوص في هذه الحالة سيتناقص. ونظراً لانعزالهم، فإن أحداً لن يهتم لهم إذا ما قُتلوا. ولقد قادنا التاريخ إلى عصر حصلت فيه الطبقات العاملة على السلطة السياسية، لعدة أسباب وخاصة بسبب تعقد أساليب التصنيع، والتشظي، والتخصص، وترابط المجتمع الصناعي، وأهمية العمل المنضبط واتساع أسواق الاستهلاك. ولقد أكسبها دورها الجديد – باعتبارها منتجة وموزعة ومستهلكة – وسيلة للتأثير. فإذا توقفت عن العمل انهار الاقتصاد، ويحدث الشيء نفسه، إذا هي انقطعت عن الشراء والاستهلاك، وإذا ما قُتلت، نشأ عن ذلك انعكاسات عالمية سببها – حسب آخر تحليل – مرتكز على اعتبارات اقتصادية. ولا يستطيع المجتمع الصناعي الحديث أن يقوم بوظيفته كما لا تستطيع حكومته أن تحكم، إلا بالمساهمة والرضاء الشعبيين. وما ينطبق على الدول الصناعية نراه كذلك، على درجة أقل، في الدول غير الصناعية والمستعمرات، التي تتعلق بها الدول بها الدول الأولى للحصول على المواد الأولية الضرورية لصناعتها والضرورية كذلك لصادراتها. ولأسباب اقتصادية، يجب أن تبدو الحكومات الحديثة شعبية، ويتوجب عليها أن تقدم تنازلات تتجاوب مع تصورات الديمقراطية والعدالة التي يتخيلها الشعب أو أن تترك مكانها لحكومة أخرى تحقق دلك. وحكومات الدول الصناعية المسيطرة – وبدرجة أعظم من تلك التي تسيطر عليها – تجد نفسها مرتبطة سياسياً بهذا العامل المتعلق بالصورة الداخلية، وعليها أن تستعمل البلاغة الليبرالية، وأن تقبل الحلول الوسط – المدارس، المستشفيات، رغد العيش للجميع ما عدا المسكاين المعزولين – من أجل الحفاظ على السلطة وإبقاء الناس في أعمالها العادية التي تقدم الفوائد. إن ذلك يجعل الحكومات حساسة لأنه لا بد لها أن تشغل اقتصادها بأي ثمن، وتحقق الأرباح، أو أن تجهز المواد الأولية أو الأسواق يتوقف عليها اقتصاد آخر أعلى مرتبة، وهي حساسة كذلك، لأنه لا بد له أن تحفظ مظهر الحالة السوية تحت طائل الطرد، ولأنه لا يمكنها أن تتصرف تنكدها، وعليها أن تغازل وتقمع في الوقت ذاته. تلك هي نقاط الضعف الحديثة، التي تجر معها وسيلة أيضاً حديثة لاستغلالها ألا وهي حرب العصابات المعاصرة. وفي الدول ذات الشكل الديمقراطي، والبورجوازي، والرأسمالي ( وتقاسمها في ذلك كل الحكومات الأخرى ضمن بعض الحدود ) تستطيع نقاط الضعف المذكورة جعل الحرب الشعبية ممكنة واعطاءها أشكالها المميزة، التي لا يمكن تقليدها إلا بشكل سطحي جداً من قبل جيش الدولة. ويختلف تكتيك رجل العصابات بشكل عن تكتيك الجندي المضاد للعصابات، لأن دوريهما مختلفان، منهما قوتان متنافرتان، تشنان حربين متعارضين، في سبيل أهداف متضادة. ويبحث الجندي المضادة للثورة عن كل حل عسكري، يتمثل في إبادة رجال العصابات، لكنه معاق بعقبة سياسية واقتصادية، فهو لا يستطيع أن يبيد الشعب ولا واحداً من أجزائه الهامة. أما رجل العصابات، فإنه يرغب في اهتراء عدوه العسكري، ويستعمل تكتيكياً مناسباً لهذا الغرض، وهدفه الرئيسي سياسي، ويتمثل في تسعير حريق الثورة في صراعه، وتحريض الشعب كله، ضد النظام، وإظهار عيوب هذا النظام، وعزله، وتقويض اقتصاده، واستنزاف موارده، وإثارة تفككه. إن حرب العصابات في جوهرها سياسية واجتماعية أما وسائلها فهي سياسية بمقدار ما هي عسكرية أما هدفها فسياسي بالكامل تقريباً. ونستطيع أن نقول " انطلاقاً من مقولة كلاوفيتز " : إن حرب العصابات استمرار للسياسية بواسطة صراع مسلح. وفي درجة معينة من نموها، تصبح ثورة.. عندها تغدو أسنان التنين نالكة لكل قوتها. إن حرب العصابات تعادل حرباً ثورية، إنها امتداد للسياسة باستعمال السلاح. وطالما أن أولئك المكلفين بالصراع ضدها لا يفهمونها، فلن يجدوا أية وسيلة استرتيجية أو تكتيكية لتحقيق النصر. أما إذا فهمها أولئك الذين يقودونها، فإنها لن تخيب مطلقاً، مهما كانت الظروف، لأن الحرب الثورية لن تبدأ إلا عندما تتوافر ظروف نجاحها. ولنفحص الآن آليات هذا السياق الثوري، المسمى حرب العصابات.نديم ، الحب ، برنامج ، تحميل ، دليل ، مسلسل ، انشوده ، جديد ، كامل المنتديات للبيع : للتواصل واتساب 967772204567+ | |
|