ردوجان بطل "جواز بقرار جمهوري"
محيط - جهان مصطفى
على غرار الفيلم المصري "جواز بقرار جمهوري" وإن كان بشكل مختلف بعض الشيء ، فاجأ شاب أردني الجميع بوضع صورة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان على بطاقات الدعوات لحفل زفافه التي حملت أيضا عبارة مكتوبة باللغتين العربية والتركية تقول :"نحبك يا أردوجان".
ووفقا لما نشرته وسائل الإعلام الأردنية في 12 يونيو / حزيران ، فإن العريس لم يكتف بما سبق ، بل إنه أعلن أيضا أنه سيذهب إلى السفارة التركية في عمان لتوجيه دعوة رسمية لرئيس الوزراء التركي لحضور حفل زفافه الذي سيقام في الرابع والعشرين من يونيو .
ويبدو أن الخطوة السابقة لن تكون الأخيرة في هذا الصدد في ظل الشعبية المتصاعدة لأردوجان في العالمين العربي والإسلامي ، بل إن الإعجاب بتركيا أخذ أشكالا أخرى في غزة ، حيث أطلق اسم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان على مواليد جدد ، كما افتتح مقهى جديد هناك تحت اسم "اسطنبول " ، هذا بالإضافة إلى وضع الأعلام التركية إلى جانب الأعلام الفلسطينية على منازل الغزاويين .
ويتواصل الإعجاب بأردوجان في سوريا ، حيث أعرب مواطن سوري عن أمله في أن يرزقه الله طفلا لكي يطلق عليه اسم "أسطول الحرية" تيمنا باسم سفن كسر الحصار على غزة والتي تعرضت لعدوان إسرائيلي أسفر عن استشهاد تسعة أتراك .
ونقلت جريدة "القدس العربي" اللندنية عن المواطن السوري عبد السلام الباشا قوله :"لقد سميت خامس أبنائي العام الماضي (شافيز أردوجان) وكان ولد بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة ".
وأضاف الباشا الذي يقترب من عقده الرابع أنه معجب بالزعيمين الفنزويلي هوجو شافيز والتركي رجب طيب أردوجان باعتبارهما الأبرز في القرن 21 .
واستطرد "موظف تسجيل المواليد أعرب عن اندهاشه وقال لي ما هذا الإسم يا ابني سمي عمر أو عبد الرحمن أو أبو بكر شو بدك بالأسماء الفرنجية".
وتابع " قلت له هذا الإسم رمز عربي وعروبي أكثر من بعض الشخصيات العربية أو الإسلامية التي زاودت وتزاود علينا ، وفوق ذلك أنا بعثي ومؤمن أن مواقف الزعيمين تفوقت على عروبة البعض ".
وعن رأيه في الزعيمين رغم اختلاف ديانتيهما ، أجاب الباشا قائلا :"الديانات السماوية سواء كانت مسيحية أو إسلامية أو حتى يهودية لا تقبل الاضطهاد أو الاحتلال وترفضهما ومن الخطأ التعميم ، هناك في الغرب مثل باقي الشعوب الانسان الخير وفيهم الشرير أو العدواني".
وأضاف " اعتقد أن شافيز وأردوجان سطرا ملاحم تاريخية سيذكرها التاريخ وأنا أردت من تسمية ابني أن أؤكد مرة أخرى أن المسيحيين والمسلمين أخوة في مواجهة الظلم ".
واختتم الباشا وهو من قرية بنش التابعة لقضاء محافظة أدلب شمال سوريا على الحدود مع تركيا قائلا :" في البداية ، كان الناس هنا يقولون لي اسم ابنك صعب ، لكن لاحقا اعتادوا عليه والآن الجميع يسألني عن أخبار شافيز أردوجان وبعضهم يخلق جوا من الدعابة فيقولون بعد أن أجيبهم أن صحة ابني جيدة فيقولون وما هي أخبار أصدقائك الرؤساء ، فابتسم، وأتصرف وكأنني مدير مكتبهم ".
المنتدى العربي التركي
وبجانب التصرفات الفردية السابقة ، فإن الإعجاب بتركيا يبدو أن انتقل أيضا للمستوى الرسمي العربي ، وهذا ما ظهر واضحا في المنتدى العربي التركي الذي استضافته اسطنبول في 10 يونيو / حزيران .
فقد أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوجلو أن وزراء الخارجية والاقتصاد العرب الذين شاركوا في المنتدي العربي التركي باسطنبول أيدوا تشكيل لجنة تحقيق دولية في مجزرة أسطول الحرية ، كما تم الاتفاق على هامش الاجتماع بين تركيا ولبنان والأردن وسوريا على إنشاء منطقة تجارة حرة .
وبالنظر إلى أن التقارب العربي التركي يزعج إسرائيل بشدة ، فقد سارع وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس للادعاء بالتزامن مع انطلاق المنتدى أن تردد الاتحاد الأوروبي في ضم تركيا كان أحد الأسباب في تدهور العلاقات بين أنقرة وإسرائيل ، ولذا سارع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان للتأكيد أن الاتهامات الموجهة لتركيا بتغيير مسارها بعيدا عن الغرب " حملة دعائية قذرة".
وأشار أردوجان خلال المنتدي الذي عقد بحضور الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الاستثمارات الفرنسية في سوريا وغيرها من الدول العربية ، قائلا :" ولكن عندما يتعلق الأمر باستثمارات تركيا في البلدان العربية أو العكس فهناك دعاية قذرة تحاول عرقلة هذه العملية".
وتابع " الذين يقولون إن تركيا قطعت علاقاتها مع الغرب هم عملاء دعاية تحركهم نوايا سيئة ، نحن منفتحون على كل مناطق العالم" ، وأعرب رئيس الوزراء التركي عن رغبته في توسيع نطاق التعاون مع الدول العربية ، معتبرا التعاون الاقتصادي والسياسي مع العرب نموذجا ناجحا.
وأضاف أن علاقات أنقرة مع الدول العربية تسير في الطريق السليم ، داعيا المستثمرين العرب إلى تعزيز أعمالهم في بلاده ، وأوضح أن تركيا كانت تقف على حافة حرب مع جارتها سوريا قبل بضعة أعوام ، ولكن الحال تغير الآن حيث شهدت العلاقات تحولا جذريا ، كما أن هناك حرية انتقال بين البلدين ، وهو الحال مع لبنان والأردن ودول عربية أخرى .
وأشار أردوجان إلى تضاعف حجم التجارة بين تركيا والدول العربية ، وقال أن أكثر من ألفي شركة عربية تقيم مشروعات استثمارية في تركيا ، وأضاف أن 400 ألف سائح عربي زاروا تركيا عام 2002 ، وزاد عددهم العام الماضي إلى نحو 5ر1 مليون سائح.
وجدد أردوجان انتقاداته للسياسة التي تنتهجها إسرائيل مع الفلسطينيين ، قائلا : "لن يكون هناك سلام طالما أن غزة محاصرة" ، وأكد أيضا أن بلاده لن تصمت على القتل الجماعي بحق الفلسطينيين وإرهاب الدولة الإسرائيلي.
ورغم أن أردوجان كان لفت الأنظار بشدة خلال وبعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة وخاصة عندما انسحب من منتدى دافوس العام الماضي احتجاجا على عدم إعطائه الوقت الكافي للرد على مزاعم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز حول غزة وحماس ، إلا أن تصريحاته بعد مجزرة أسطول الحرية كان لها الصدى الأكبر وغزت على الفور قلوب العرب والمسلمين .
مصير القدس واسطنبول
ففي كلمة ألقاها في 5 يونيو خلال تشييع عدد من الشهداء الأتراك الذين سقطوا في الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية ، أكد أردوجان أن قدر غزة ليس منفصلا عن قدر أنقرة ، مشيرا إلى أنه أبلغ الولايات المتحدة بأنه لا يقبل تصنيف حركة حماس على أنها "منظمة إرهابية".
وأضاف أن حماس حركة مقاومة تقاتل للدفاع عن أرضها وأن الكثير من أعضائها معتقلون في السجون الإسرائيلية مع أنهم فازوا في انتخابات ديمقراطية وحرموا من حقهم في الحكم .
وتابع أردوجان أن الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في المياه الدولية بالبحر الأبيض المتوسط "يظهر حالة الارتياب والصدمة" التي تمر بها الحكومة الإسرائيلية ، مؤكدا أنه إذا أدار العالم ظهره لفلسطين فإن تركيا لن تدير ظهرها للقدس والشعب الفلسطيني أبدا .
واستطرد " قدر الشعب الفلسطيني ليس منفصلا عن قدر تركيا وقدر غزة ليس منفصلا عن قدر أنقرة ومصير القدس مرتبط بمصير اسطنبول ، رام الله ونابلس ورفح وخان يونس وبيت لحم وجنين كلها مدن ليست منفصلة عن قونيا".
وأضاف "إذا صمت العالم فنحن لن نصمت، وإذا غض العالم الطرف عن تلك المذبحة فنحن لن نغض الطرف، وإذا بقي العالم متفرجا على حمام الدم فإننا لن نظل مكتوفي الأيدي ونترك ذلك الدم يجري، لأن ذلك لا يليق بالشعب التركي والأمة التركية".
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، حيث كشفت مصادر في المنظمة التركية للإغاثة الإنسانية أن رئيس الوزراء التركى سيطلق الأسطول الأكبر والأضخم من تركيا إلى غزة خلال الأسابيع القادمة وسيحظى بمرافقة السفن الحربية التركية لمنع أية هجمات قاتلة ، فيما ذكرت شبكة "سي إن إن" الناطقة بالتركية أن أردوجان يفكر في التوجه بنفسه إلى غزة لكسر الحصار الإسرائيلي .
ووفقا لمصادر مقربة من رئيس الوزراء التركي ، فإنه في إطار المواجهة المفتوحة بين تركيا وإسرائيل عقب هجوم إسرائيل على أسطول الحرية فإن أردوجان يفكر في التوجه بنفسه إلى غزة لكسر الحصار وأنه طرح هذه الفكرة على الدوائر الرسمية القريبة منه ، كما أبلغ الإدارة الأمريكية بأنه ينوي الطلب من سلاح البحرية التركية مواكبة أسطول جديد لسفن الإغاثة يجرى الإعداد له للتوجه إلى غزة ، لكن المسئولين الأمريكيين طلبوا منه التريث لدراسة الموضوع.
وبالنظر إلى أن ما فعله أردوجان يبدو غريبا على عالم اليوم الذي لا يعرف سوى المعايير المزدوجة والتغطية المعتادة على جرائم إسرائيل ، فقد توجهت الأنظار جميعها إلى تركيا لمعرفة ما ستتخذه من خطوات لعقاب إسرائيل وإنهاء معاناة سكان غزة خاصة وأنها وضعت ثلاثة شروط لتجنب قطع العلاقات نهائيا مع تل أبيب وهي تقديم اعتذار رسمي لأسر ضحايا مجزرة أسطول الحرية والقبول بتحقيق دولي مستقل ورفع الحصار عن القطاع .
من هو أردوجان ؟
ويبدو أن ما سبق لا يعكس فقط شخصية قوية وشجاعة فقط وإنما تجد أيضا تفسيراتها في الاسم الثلاثي لرئيس الوزراء التركي ، حيث أطلق عليه اسم رجب تيمنا بشهر رجب واسم طيب نسبة لجده الشهيد في معركة "الله أكبر" التي كان يدافع خلالها عن تركيا العثمانية ، أما أردوجان فيعني باللغة التركية الشجاع أو الجريء .
ورجب ولد في 26 فبراير 1954 في حي قاسم باشا أفقر أحياء اسطنبول لأسرة فقيرة وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة حيه الشعبي مع أبناء حارته وهناك قصة تتردد حول طفولته ، حيث سأل مدرس التربية الدينية الطلاب عمن يستطيع أداء الصلاة في الفصل ليتسنى للطلاب أن يتعلموا منه ، ورفع رجب حينها يده ولما قام ناوله المدرس صحيفة ليصلي عليها ، فما كان من رجب إلا أن رفض أن يصلي عليها لما فيها من صور لنساء سافرات ! ، وهو الأمر الذي أدهش المعلم وجعله يطلق عليه لقب " الشيخ رجب " .
وبدأ مشواره مع الكفاح منذ صغره ، حيث كان يبيع البطيخ أو كيك السمسم الذي يسميه الأتراك السمسم حتى يسد رمقه ورمق عائلته الفقيرة ، ثم انتقل بعد ذلك إلى مدرسة الإمام خطيب الدينية حتى تخرج من الثانوية بتفوق.
والتحق بعد ذلك بكلية الاقتصاد في جامعة مرمرة وبالرغم من اهتماماته المبكرة بالسياسة إلا أن كرة القدم كانت تجري في دمه أيضا وأمضى 10 سنوات لاعبا في عدة أندية ، وبعد التحاقه بالجيش أمره أحد الضباط بحلق شاربه الذي كان يعتبر ضد قوانين تركيا العلمانية فلما رفض ، تعرض للفصل .
ورغم أن اهتمام أردوجان بالسياسة بدأ حينما كان يبلغ 15 عاما إلا أنه اشتهر حينما قاد الجناح الشبابي المحلي لحزب " السلامة أو الخلاص الوطني " الذي أسسه الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان ، ثم أغلق الحزب وكل الأحزاب في تركيا عام 1980 جراء انقلاب عسكري ، وبعد عودة الحياة الحزبية انضم إلى حزب الرفاه عام 1984 كرئيس لفرع الحزب الجديد ببلدة بايوغلو مسقط رأسه وهي احدى البلدات الفقيرة في الجزء الأوروبي في اسطنبول ، وما لبث أن سطع نجمه في الحزب حتى أصبح رئيس فرع الحزب في اسطنبول عام 1985 وبعدها بعام فقط أصبح عضوا في اللجنة المركزية في الحزب .
وتولى فيما بعد رئاسة بلدية اسطنبول حيث حول ديونها التي بلغت ملياري دولار إلى أرباح واستثمارات وبنمو بلغ 7% بفضل عبقريته ويده النظيفة وقربه من الناس لاسيما العمال ورفع أجورهم ورعايتهم صحيا واجتماعيا ، ووفقا لتقارير صحفية ، فقد شهد له خصومه قبل أعدائه بنزاهته وأمانته ورفضه الصارم لكل المغريات المادية من الشركات الغربية التي كانت تأتيه على شكل عمولات كحال سابقيه .
وخلال توليه مقاليد البلدية ، خطب في الجموع قائلا :" لا يمكن أبدا أن تكون علمانياً ومسلماً في آن واحد ، إن أمة الإسلام تنتظر بزوغ الأمة التركية الإسلامية وذاك سيتحقق ، لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه إنه الإيمان، لدينا الأخلاق الإسلامية وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام ".
وتعرض للسجن فيما بعد إثر إلقائه شعرا في خطاب جماهيري من ديوان الشاعر التركي الإسلامي ضياء كوكالب قال فيه :" مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا هذا الجيش المقدس يحرس ديننا "، واتهم حينها بتأجيج التفرقة الدينية في تركيا وقررت المحكمة سجنه 4 أشهر .
وبعد خروجه من السجن بأشهر قليلة قامت المحكمة الدستورية عام 1999بحل حزب الفضيلة الذي قام بديلا عن حزب الرفاه فانقسم الحزب إلى قسمين ، قسم المحافظين وقسم الشباب المجددين بقيادة رجب الطيب أردوجان وعبد الله جول وأسسوا حزب العدالة والتنمية عام 2001 .
وخاض الحزب الانتخابات التشريعية عام 2002 وفاز بـ 363 نائبا ، إلا أن أردوجان لم يستطع رئاسة الحكومة بسبب تبعات سجنه وقام بتلك المهمة صديقه عبد الله جول وتمكن فيما بعد من تولي رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه ، حيث بدأ على الفور مسيرة الاصلاحات وسار باتجاه التصالح مع الأرمن بعد عداء تاريخي وأرسى تعاونا مع العراق وسوريا ولم ينس أبناء شعبه من الأكراد فأعاد لمدنهم وقراهم أسمائها الكردية بعدما كان ذلك محظورا وسمح رسميا بإلقاء الخطب باللغة الكردية وافتتح تليفزيونا رسميا ناطقا بالكردية .
وأردوجان متزوج من أمينة وهي كانت مناضلة في حزب السلامة الوطني وأطلق على أحد أولاده اسم " نجم الدين " على اسم أستاذه نجم الدين أربكان وأرسل إحدى بناته للدراسة في أمريكا لعدم السماح لها بالدراسة في الجامعات التركية بحجابها .
ويرى كثيرون أن أردوجان يسير على طريق أسلمة تركيا بخطوات محسوبة ومدروسة جيدا وهذا هو السر في نجاحه داخليا وخارجيا .