جلستْ تفكر بعمق لدرجة أنها لم تشعر بدخول صديقتها عليها، فضحكت الصديقة، وقالت:
من يا تُرى الذي سلب عقلك وقلبك؟!
ابتسمَت قائلةً: اليوم هو ذكرى مولده، ولا أدري ماذا أفعل له، وما الهدية التي أقدمها إليه.
قالت الصديقة بدهشة: مولده!! إذن فالأمر حقيقة، أخبريني بسرعة.. من هو؟
ازدادت ابتسامتها اتساعًا، وقالت: اسمه محمد.
اقتربت الصديقة أكثر وقالت: هل يعلم أحد بأمر حبك له؟
قالت: نعم، أبي وأمي وإخوتي، والعالم كله يعرِف.
اندهشت الصديقة أكثر وسألتها: ابن من هو؟!
أجابت في خشوع: إن حبيبي هو حبيب الله، وحبيب كل مسلم ومسلمة، إنه محمد بن عبد الله، رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
ازدادت دهشة الصديقة، وقالت لها في ذهول: معقول؟! أفي هذا العصر يوجد مثل هذا الحب؟!
قالت: تقصدين في العصر الذي ظلموا فيه الحب، وألصقوا به كل منكر ورذيلة، وارتكبوا باسمه الخطايا والآثام؟!
نظرت الصديقة إليها متسائلة: ولِمَ تحبينه؟
ردت بسرعة: ألم يضحِّ من أجلي ومن أجلك حتى وصلت إلينا الرسالة؟! آذاه قومه، فاتهموه بالجنون تارةً، وبالسحر تارةً، وألقَوا عليه الحجارة، وحاصَروا دعوتَه وحاربوها، حتى ترك وطنَه وخرج مهاجرًا.
سألتها الصديقة: وما غاية هذا الحب؟!
فأجابت: يقول حبيبي- صلى الله عليه وسلم-: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" (رواه الإمام البخاري في صحيحه)، وأنا أود أن أكون معه، وأن يسقيَني بيده الشريفة شربةَ ماء لا أظمأ بعدها أبدًا، وأن يشفع لي عند الله- سبحانه وتعالى- حتى أدخل الجنة.
عادت الصديقة لتسألها: أرجوك خبِّريني كيف يشعر بحبك له؟! وكيف تثبتين له حقيقة حبك وهو غير موجود؟ لقد مات منذ زمن بعيد!
ردت بثقة: إن الله- سبحانه وتعالى- يتولى أمر تبليغه بحبِّي له إن اطَّلع- سبحانه وتعالى- على صدق قلبي في هذا الحب، وأثبتُ له حبي بأن أعمل بسُنَّته، وأسير على دربه، وأتبع هديه، وأُكثِر من الصلاة والسلام عليه، وبذلك أرجو من الله- سبحانه وتعالى- أن يدخلني الجنة، وقد قال حبيبي- صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟! قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى" (رواه الإمام البخاري في صحيحه).
ذرفت من عين الصديقة دمعةٌ، وقالت: هل تسمحين لي بأن أشاركك في حبيبك- صلى الله عليه وسلم؟
ابتسمت وهي تمسح دمعة صديقتها، وقالت: إن حبيبي- صلى الله عليه وسلم- هو الحبيب الذي لا يستأثر به قلب دون قلب.. إنه يسكن في قلب كل مؤمن ومؤمنة.