كثيرة هي الأيام التي يحتاج فيها الإنسان للإنطواء على نفسه وعزلها.....ليتفكر....ليتأمل....ما بنفسه من علل...ما أصابه من صوائب ونواصب...
يحتاج لأن يمكث مع نفسه كثيرا...يسألها ويعاتبها إن أخطأت..ويبتسم ويصفق لها إن أحسنت.....يفكر في ما مضى..ما نطق به لسانه...وما شدّت اليه جوارحه..ينظر ويسأل..هل أخطأت حين ما قلت كذا وكذا؟...هل كنت محقا حين ما فعلت كذا؟...وأيهما كان أفضل ..أن أفعل كذا ام ما قمت به؟...
وهذا ما يطلقون عليه..النفس اللوامة..التي تلوم صاحبها عندما يجرفها الى وادي المعاصي والأخطاء........لكن المشكلة هي أننا لا نجيد التعامل مع أخطاء الماضي....فالعقل يقول مستندا على خشبة المنطق : أن العاقل اللبيب هو من يتخذ من أخطاء ماضيه دروسا وعبرا لحاضره ومستقبله...الا ان الواقع يختلف مع تلك الأمور النظرية الى حد ما.

فنحن عندما نتذكر أخطاء الماضي..نفتعل معها كثيرا..ونتأثر بها طويلا..كما لو كانت حاضرة بين أيدينا لتوّها..ونظل أسرى لمرارتها..ونغدو مضطربين بين سواد جدرانها...كأننا سجناء في سجن مفتوح بابه...لكننا نأبى الخروج..
إن التفكير في أخطاء الماضي...ليس من شأنها التحسر والتألم وانما أخذ العبرة والتعلم...وهذا ما نفقتده كثيرا لأسباب تتعلق بنقص الوعي الديني والاجتماعي..
فالماضي قد ولى وانتهى ...بكل أفراحه وأحزانه...وبكل نجاحاته وآهاته.....و"الأيام لا تقضى مرتين..فمن قضى يوما لن يعود له أبدا..الا أذا كان تلميذا فاشلا لأستاذ الماضي".

صحيح أن هناك أمورصعبة النسيان...الا أننا بتذكرها والتعايش معها واستقدامها قد وهبناها بذلك جزءا من يوم حاضرنا الجديد...وليس ذلك فحسب ..بل نهب لأنفسنا فرصة كبيرة للحزن دون ان نشعر ونضيق أفق الامل في سماء مستقبلنا..مما يؤثر في طريقنا وطموحنا.... أو بعبارة أخرى
إن الانغماس "التام" واستحضار أخطاء الماضي..والعيش بذكراها الأليمة تحيل بين الانسان وبين الثقة في نفسه وتحول دون تغييره واستقامته..

عندما تتذكر فعلا أحمقا قد ارتكبته في ما مضى..تظل بقية اليوم قلقا ..مضطربا..لا تستطيع إنجاز اي شيء...لا تستطيع ان تتقدم خطوة واحدة....تردد في نفسك ...أنا أحمق ..أنا أحمق...وتظل هكذا حتى يقيّدك الليل في ثبات عميق..حتى اذا ما استيقظت من نومك..عدت الى ما كنت تفكر فيه...في ذلك الخطأ القديم وفي تلك الحماقة المستديمة...وهي بذلك قد أفسدت عليك يومك الجديد..وسيطرت على مساحة كبيرة منها..ولا يبقى للامل سوى حجرة صغيرة..وربما لا ترى ذلك الأمل بعد أن أصبحت أسيرا لخطئك...فالله لم يخلق الانسان بقلبين في جوفه...فلا يمكن ان تتشاءم وان تتفاءل في آن واحد...لذا عليك ان تعيد النظر في تلك المسألة بطريقة أخرى

أولا :..عليك أن تعلم أنك لست أول المخطئين ولا أخرهم وقد ورد في الحديث : لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم...
ثانيا :..عليك أن تعلم أن تذكرك لخطئك هي "نعمة"..عليك "إيجادة " استخدامها..فهناك من يخطئ ويذنب دون ان يلوم نفسه او ان يعاتبها او يزجرها..لذا فأنت لست أحمقا..ولست الأسوأ كما تظن...فهناك من هم أسوأ منك..
ثالثا :..كل واحد منا لابد وان يكون قد أخطأ يوما ما..وارتكب حماقة في يوم من الأيام...فلست أنت وحدك من يرتكب الأخطاء ..ويعتاد الحماقات..وتذكر ان هناك شخصيات بارزة ..سياسية وعلمية وغيرهم أخطؤوا وارتكبوا اكثر مما ارتكبته أنت حماقة..ويشهد على ذلك التاريخ والناس أجمعين..أما خطؤك أنت فلا يشهده سوى نفسك ونفر قليل ممن حولك
رابعا :..تذكر انه أمامك يوم جديدا..لتثبت لنفسك أنك لست أحمقا..لتنجز شيئا..او تسعد شخصا او تساعد نفسا...لتفعل أي شيئ ايجابي يجبّ عنك ذكرى الماضي المؤلمة

كلمة اخيرة : الأيام ثلاثة ..ماضي وحاضر ومستقبل..فلا تجعلها يوما واحدا ..وهو يوم " الماضي "..