[SIZE="5"]لاحظ قوله تعالى (إن الشيطان ينزغ بينهم) ، أصل كلمة النزغ هو الطعن ، و النزغ بعكس النزع ، مثل من يطعن بحربَة شخصين متقاربين جدا ، فهي تضرهما معاً بنفس الدرجة ، فمثلا يوسوس لك أن صديقك لا يحبك و نفس هذه الكلمة يقولها لصديقك ، أو أنك تزعجه ، فيقول نفس الكلمة للآخر ، حتى يبني فاصلا بينكما ، تماما مثل النمامين ، والشيطان إمام النمامين. 
  
الشيطان كل نزغاته على عكس الموجود ؛ فعندما يرى شخصين متفاهمين مع بعضهما ينزغ بينهما بأنهما غير متفاهمين ، أو يحبان بعضهما فيكون النزغ بعدم المحبة .. أو يثقان ببعضهما فيكون نزغه بعدم الثقة وهكذا .. 
كل وسوسة الشيطان مبنية على العكس .. حتى تزيين الشيطان مبني على عكس الطبيعي ؛ فالقبيح يجعله جميلا ، والجميل يجعله قبيحا .. وهذه هي الطريقة التي يفهمها الشيطان و نفهم الشيطان بها . والعداوة تعني المعاكسة ، والله قال (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) ، والعدو عليه ان يعرف عدوه ويعرف تخطيطه و تفكيره ، ولا يكفي ان تقول ان الشيطان عدو لك بينما أنت لا تفكر في كيفية عمل الشيطان و مخططاته عليك وعلى غيرك . اما من لا يبحث عن عدوه ولا يفكر كيف يفكر ، فهذا من الأمن للعدو ، والذي يُؤمَن له هو الصديق وليس العدو . 
ربما يكون معنى وسوسة الشيطان أي على الشخص فقط ، بينما النزغ يكون بين الإثنين أو اكثر .. و الشيطان يعرف الطبيعي (الخير وطريق الله) و يعكسه ، فقد قال تعالى على لسان الشيطان : (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، اي انه يعرفه ، وسيقعد عنده ليصد عنه كل من اقترب منه إن أطاعوه ، وطبعا سيحتاج الى المعاكسة .. و نحن نفهم الطبيعي من الصناعي ، ونعرف الحق من الباطل ، اي نعرف الخير من الشر ، ولا نستطيع معرفة الخير بذاته ، و بضدها تتميز الاشياء . و هكذا يكون الشيطان خادماً للمؤمن من حيث لا يريد ، لأن معاكسته في كل خطواته تؤدي الى طريق الله . اذن علينا ان نعرف كل خطواته حتى نعاكسها .
من هنا نفهم حكمة الله في وجود الشيطان ؛ لأن علاماته الكثيرة و خطواته تدل على الخطوات الصحيحة بمعاكستها ، و الشيطان لا يُضل إلا أتباعه ، إذن هو وسيلة لهداية من لا يتبعه . 
من أساليب تخريب الشيطان أنه يُدخل عليك مسلّمة من حيث لا تشعر، ثم ينكّد عليك منها ، مثل ان تقبل كلاما بدون نقاش و تتبع على عمى . اذن دائما ناقش الشيطان في المسلمات ، و على المؤمن ان يدير حوارا مع وسوسة الشيطان ليكشف زيفها ، ولا يدعها تمرّ هكذا . سيجد ان هذا الحوار مع الشيطان سيحتاجه في حواره مع شياطين الانس ، لأن المصدر الصناعي واحد (طريق الشر) . مع أن الشيطان خنّاس ولا يصمد للمناقشة ولا للإستعاذة .
الشيطان غبي ؛ لأنه يجمع متناقضات بجانب بعضها و يستخدمها في الوسوسة ، و وسوسته عبارة عن بطاقات متكررة يُخرج منها ما يناسب الموقف على شكل لمحة ، كفكرة أو منظر ، أي بالتعبير القرآني (همزة) ، توهمك أنك أنت الذي طرأ عليك هذا الخاطر ، ولو أطال الكلام لانكشف ، لهذا هو لا يكثر الكلام والشرح حتى لا ينكشف غباؤه ، يريدك أن تـُكمل أنت .. 
لاحظ دقة التعبير القرآني : همزات ، فهي تعني : دفعات متقطعة ليست متواصلة .. وهذا ما أوهم الكثيرين باعتقاد ان اصل الانسان شرير ، كما بنى عليه فرويد فكرة العقل الباطن الشهواني الشرير المتوحش ..  
و لو جمعتَ بطاقات الشيطان مع بعضها لضحكتَ من تناقضها .. وأستغرب أن يُسمى الذكي بالشيطان ؛ فالشيطان اغبى الأغبياء ، بل هو أغبى من شياطين الإنس . لأنه عرف ربه و رأى جهنم وفعل ما يضره و على علم كامل ! بدافع الكبر ، و لم يكن بينه وبين النجاة من العذاب الا سجدة يطيع بها ربه . وهو يعمل ليلا و نهارا بدون اية فائدة له ، لأنه رجيم و مأواه جهنم . أليس هذا أغبى الأغبياء ؟ 
الشر دائما مرتبط بالغباء ، بل الاشد شرا هو الاشد غباء والعكس بالعكس (قانون) .. 
تجد الشيطان مثلا يقول لشخص : أنظر لفلان إنه لا يحبك ، و إذا نظر إليك قال : أنه يجاملك ، وهكذا يهمز على شكل فكرة أو صورة ، و الفكرة إما مُطمِعَة أو محزنة أو مخيفة .. لكن عاقبتها سيئة ، وهكذا كل فكرة من الشيطان فكّر في عاقبتها حتى تعرف هل هي من الشيطان ام لا ، اي قيّمها ..  
والله تعالى قال (اتخذوه عدوا) ، فالله أمرنا باتخاذه عدوا، و افكار الشيطان ليس عليها نور ولا عاقبتها جميلة اذا تتبعتها في ذهنك .. و العدو لابد أن تتجسس عليه وتكشف أسراره ، فالشخص لابد ان يجعل نيته حرب الشيطان و معاكسة ما يريد ، و ذلك طول حياته ، مثلما جعل هو حياته كلها لعداء بني آدم .. 
الشيطان إذا عجز عن تخريبك بالوسوسة ، يتجه للتخويف ، فإذا لم ينجح ، اتجه للتحزين ، و إذا عجز عن ذلك استخدم اسلوب اظهار الصور القبيحة من باب التنكيد ، لأنه يشعر بالغيظ ، و هذه اخر مرحلة له و هي علامة فشله معك ..
بداخل كل انسان شعور وعقل و شيطان ، و كلهم يعملون و يدورون طول الحياة ، فالشيطان مع المؤمن ينكد عليه ، ومع غير المؤمن يخطّط له ، فمن كانت علاقته جيدة بالشيطان فهذه علامة أنه أصبح سيئا .
يبدو ان علاقة الشياطين بالمؤمنين مختلفة عن علاقتهم مع غيرهم ، فالقرآن يقول عن وسوسة الشياطين للكفار بأنها (تؤزهم أزا) ، والأزّ تشجيع و دفع ، مما يدل على اتفاق مبني على السيطرة ، مثل من يتخبطه الشيطان من المس كما وصف تعالى آكل الربا . و يؤيد هذا قوله تعالى : ( ومن يعش عن ذكر الله نقيض له شيطانا فهو له قرين) .. و القرين في اللغة تعني الرفيق والصديق على غير عداء ، و كما قيل : ( كل قرين بالمقارن يقتدِ) ..
كل منطقة ظلماء و محمية في نفوسنا وعقولنا ، ولا يُراد لها أن تـُدخل ، ففيها الشيطان .. 
كيف تـُصلح ما في الظلام وأنت لا ترى ؟ لا بد من نور ، اذا لم يسمح الشخص الذي عنده هذه ، فاعلم ان الشيطان يعمل فيها ، الشيطان يحب العمل في الظلام ، ولا يريد ان يُكشف . 
فمثلا : التحجج بالقسوة هي حجة غير طبيعية ، مثل من يتهم أحداً ينصحه فيقول له : انت قاسي علي .. القسوة ليس لها معنى و هي كلمة مبهمة ، والإبهام ظلام .. لا يستطيع ان يقول : انت ظالم أو أنت كذاب أو مخطئ .. لأنه سيُناقش في هذا و ستتبين حجته ، لهذا يقول : أنت قاسي علي .. إن صاحب هذه الحجة هو القاسي وهو الأكثر سوءاً .. 
الشيطان يوهمه أنه يُقسى عليه ، ولا يستطيع ان يستخدم كلمة ظلم أو كذب ، لذلك يستعمل كلمة عائمة كالقسوة . القسوة هي حجة لمن لم يجد حجة ، وتهمة من لم يجد تهمة .. التهمة حجّة يلجأ إليها عند الحاجة ، ومن يتهم غيره بالقسوة ، فهو يقول له : "أنت صريح و صادق" .. ما لم يحدد بالضبط والدليل مكان تلك القسوة .. الشيطان يركض في الغموض والظنون ويعمل فيها .. 
اذا كانت الفكرة طبيعية وعليها نور ، فالواجب أن نقبلها .. أما غيرها فلا نقبلها . الافكار هي الأهم دائما ، وكل الاشياء الباقية كالقسوة او الثقة أو الظنون او غيرها ، كلها لا معنى ولا قيمة لها .. لا بد أن يُـنظر الى خيرية الفكرة ، هل تؤدي لخير أكثر أم لشر أكثر .. هل عليها نور أم لا .. هذا هو المقياس ..
المنطق الصحيح في الافكار هو الرفض أولا و ليس القبول ، حتى تثبت صحتها .. هذا هو النهج الآمن .. مشكلة القبول انه يبني في كثير من الأحيان على غلط ، وما يبنى على غلط فهو غلط .. قبول الافكار بناء على قائلها و ثقة به هو المشكلة ..
أهم شيء أن تناقش الأفكار حتى تثبت على حقيقتها ، لأن الإنسان لا يعيش إلا على افكار .. 
الاوهام هي ما يتصوره الشخص عن نفسه و من حوله ، والخرافات ما يصدق بها المجتمع . 
لا تقبل اي فكرة الا مثبتة بأدلتها .. و أي شخص يثبت صفة فيه فعليه أن يثبتها لغيره .. 
عندما يتالم صاحب الوهم من اقتراب احد من منطقة الوهم ويتالم و يتهم غيره بالقسوة ، فحقيقة ألمه أنها تخويف من الشيطان لكي لا يقترب منها احد .. 
لا نفهم الإنسان إلا من الشيطان (قانون) ..