الغرفة التي في رأس الرئيسعارف أبو حاتمarefabuhatem@hotmail.com
دوت ضحكة العالم من تصريحات القذافي ونجله، إذ جمعا النقيضين في تهمة
واحدة: "هؤلاء الجرذان يتعاطون المخدرات، ويسعون لإقامة إمارة إسلامية"،
وقبل أن تخفت تلك الضحكة الشامتة، علت مدوية مرة أخرى: الرئيس اليمني
متحدثاً عن شعبه المطالب بسقوط النظام: هؤلاء مقلدون ومنفذون، والفوضى
الحاصلة في العالم العربي لها غرفة عمليات في تل أبيب، وتدار من البيت
الأبيض.... لله درك من زعيم حددت موقع الغرفة وجهة إدارتها!!
وهنا مبعث الافتخار، لدينا جهاز استخبارات "ما يصافطش"، حدد غرفة العمليات
"طبعاً الغرفة إيجار" فوق بقالة على يدك اليمين وأنت داخل تل أبيب، وتدار
من غرفة 4×6 متر بالطابق الثالث من البيت الأبيض.
كم أشعر بالخزي حين أتصفح أخبار العالم، وأستفز من الشامتين بقدراتنا... وسائل الإعلام العالمية صاحت: اللي ما يشتري يتفرج!!
ملك ملوك أفريقيا قال عن الشبان الأحرار: هؤلاء عملاء أمريكا وإسرائيل،
وقبله مبارك: هناك أيادٍ خارجية، وأبو الغيط وزير خارجيته: القبض على جاسوس
إسرائيلي في الاسكندرية يحرض الشباب، وقبلهما بن علي: أخاف على الشعب
التونسي العظيم من مخططات الدوائر الخارجية الغربية. المبدع صالح: غرفة
العمليات في إسرائيل وتدار من البيت الأبيض.
رفاق الاستبداد والفساد يعتقدون أنهم يتحدثون إلى شعوب بلا ذاكرة، وأن
لديهم قدرات خارقة في المخاتلة ورقصات الخداع.... لنذكرهم بأبسط خياناتهم
وارتماءاتهم في أحضان أمريكا وإسرائيل طوال سنوات حكمهم: القذافي منذ العام
1993 وأنت تحكم بموجب اتفاق سري مع أمريكا لهم نصف عائدات النفط مقابل
الحكم لك، وبعد احتلال العراق سلمت لأمريكا كامل معدات برنامجك النووي الذي
كلف ليبيا أكثر من 70 مليار دولار. على الأقل كنت بعته قطع غيار في
الحراج.
مبارك: هرولت نحو الاستسلام، بعت دور مصر التاريخي والسياسي، الدور الذي
استطاع عبدالناصر استرجاع جزء كبير منه، بعته مقابل 1.3 مليار دولار
مساعدات أمريكية سنوية، نصفها للمساعدات العسكرية، ونسيت أنها قتلت 240
خبيراً عسكرياً مصرياً في حادثة سقوط الطائرة المصرية في المحيط الأطلسي
العام 1999، ونسيت أنك بعت غاز مصر لإسرائيل بأقل من سعر التراب.
بن علي: حاولت بضغط أمريكي إخراج تونس من عروبتها، وعزل تاريخها الروحي
(جامعة القيروان)، وتاريخها السياسي والعسكري (معارك شمال أفريقيا في الحرب
العالمية الثانية، وحرب الاستعمار)، تحول كل ذلك إلى استثمار سياحي لشركات
أصهارك، نهبت ثروات البلاد واستثمرتها في الغرب، وكنت عاملاً مهماً في
خروج رجال القضية الفلسطينية، ومنظمة التحرير من تونس، وهمزة وصل اقتصادية
مع إسرائيل.
صالح: مهما صاح الأمريكان منك، وقالوا إنك "غريب ونكدي" فأقل الفضائح ما
أكدتها ويكليكس، ولم ينفها بورجي كعادته: اضربوا الجماعات الإسلامية في
أبين ومأرب ونحن سنقول إنها ضربة يمنية، والنتيجة أُحرقت قرية المعجلة
وشهداء وجرحى بالعشرات!!
هل رأيتم في الدنيا رئيساً يتآمر على شعبه؟!... يتساءل فيصل القاسم وعريب الرنتاوي.
أجهزة مخابراتنا يا فندم حتى الآن لم تحدد من يمول الحوثيين، بل لم تعرف
طريقة للقبض على تجار السلاح، أو تجار المخدرات، أو تجار الدعارة، بل لم
تستطع منع استيراد الألعاب النارية فقط، كل عيد يتحول لدينا إلى مأتم!!
أجهزة مخابراتك لم تقدم تفسيراً مقنعاً لفرار23 سجيناً من تنظيم
القاعدة... حكاية أنهم حفروا بالصحون والملاعق نفقاً بطول 17 متراً مضحكة
ومستخفة بعقول الناس، على الأقل اسألوا أين ستذهب كميات التراب المهولة،
وأنت تخرج فجأة على الناس، وتحدد غرفة العمليات وجهة إدارتها.. كم "جهد"
القربي رقاع لتصريحاتك!!
لا لوم عليك يا رئيس فكل حاكم عربي اهتز عرشه صاح: هؤلاء أذناب أمريكا
وإسرائيل ليمنح نفسه شرعية البطش بالعملاء والخونة! كلمة هوجاء قذفت بها في
قاعة كلية الطب "وللمكان دلالته"!!
وبعد 48 ساعة كانت كلمات الاعتذار والتأسف تسيل من فمك لساكني البيت
الأبيض دون الاكتراث بساكني عدن وتعز، أبناء المعلا والمنصورة ضربوا بمضاد
الطيران، وأبناء تعز بالرصاص الحي، وقنبلة واحدة حصدت عشرات الجرحى
والشهداء، وهراوات البلاطجة وأسلحتهم لا تزال تخترق أجساد وتحصد أرواح في
صنعاء والبيضاء وأبين وعمران وإب وحضرموت ولحج ومأرب.
وأما أهلنا الأبطال الصامدون في الحديدة فلهم الله، القاهر المذل... عزّل،
أبرياء، أنقياء، أتقياء، شبعوا ظلماً وقهراً، وزادهم الحاكم العادل ضعفاً
من العذاب والفقر والمرض... حتى محافظ الحديدة المستقيل أحمد سالم الجبلي
رفض إخراج البلاطجة لضربهم والتهجم عليهم... ربما قال الرجل في سره: اللي
فيهم يكفيهم. وربما قال: ماذا أضرب منهم: جوعى ومرضى وفقراء ومظلومون.. لا
أحد يستطيع إسكات صوت تضور أمعاء الجائع، وإخفاء أنين المريض، وصراخ
المظلوم... وربما بهذا الموقف نظفت تاريخك أيها الجبلي، حتى وإن أعلنوا
أنهم أقالوك، فقد زدت عن ذلك: البيت أشرف لي من مجلس شوراهم.
من المؤكد أن الرئيس نظر في كنانته، وبحث في أعوادها، فوجد حمود عباد
أصلبهم عوداً، وأكثرهم بلطجة، فرمى به الحديدة.. فكان كما أراد سيده.. بعد
وصوله بساعات أكثر من 30 مصاباً من الأبطال المعتصمين في حديقة الشعب.. نعم
حديقة كل الشعب، ليست مرتعاً لبلاطجة الحاكم وجلاوزة نظامه.
رصاص وهراوات البلاطجة واجهها أبطال الحديدة بصدور محصنة بالعزة والكرامة،
خرجوا من مخابئ الصمت، كسروا جدران الخوف وعوازل الرهبة، وأصبحت حديقة
الشعب متنفساً لنصف مليون ثائر.. لعلهم قالوا لأنفسهم نحن في عهد الصالح
ميتون في الحالتين: في صمتنا تقتلنا الملاريا، وقهر نهابة الأراضي، وفي
انتفاضتنا يقتلنا بلاطجة النظام المتهاوي... إذن لنمت في سبيلك أيتها
الحرية!!
يمن ما بعد الشوالاات في العدد قبل الماضي من هذه الصحيفة كتبت عن "رئيس جمهورية الشوالات"،
وقلت: منذ خُلع مبارك والرئيس يجتمع بمشائخ وأعيان صنعاء وعمران ويدر عليهم
الملايين وباليورو والدولار، فيما الأطقم العسكرية تجتمع بأبناء عدن وتعز
وتنهي الحوار معهم سريعاً إلى المقابر والمستشفيات!!
ووجدت قراء "المصدر أونلاين" وغيرهم من فسر خطأًً ما كتبت، خاصة الأخوين
هاني حسين والخنساء... لقد قلت إن "فخامته" لم يتحدث للشعب اليمني، وإنما
حصر الحوارات والشوالات لبعض مشائخ وأعيان صنعاء وعمران.. مع أنه (حفظه
الله) ساوى بين الجميع بالظلم والاستبداد والقهر... فأبناء هاتين
المحافظتين يعانون الأمرين، زرت المحافظتين مرات عدة، ووجدت أناساً يتطلعون
إلى المدنية، ويبحثون عن شماعة تريحهم من حمل البندقية، يحلمون بالجامعة
والطريق والمستشفى والمدينة ومؤسسات الدولة التي يجب أن يحتكموا إليها،
أشفقوا على أثوار الهجر، وشعراء الزوامل، اتعبتهم "يا منعاه" ويصرخون يا
وطناه يا دولتاه.
أما سنحان فهي خاوية وخالية إلا من قصور النافذين... ليت من نهبوا مالنا،
ومصوا نفط آبارنا، استثمروا سرقاتهم في الداخل، لكان حالنا أفضل: البطالة
أقل، والاقتصاد أقوى، والريال في وجهه عافية.