لو كان صالح رئيساً لشركةعارف أبو حاتمarefabuhatem@hotmail.com
لقد دارت عجلة الزمن منذ فترة طويلة، ووضعت وجهها الموحش في وجه الرئيس
صالح، لتقول له: غيّر سياستك، أو غيّرك الناس. لم يسمع، واعتبرها "طواحين
هواء" وظل في سياسته القديمة: المراضاة وتوزيع الأموال والمناصب
والامتيازات والرتب العسكرية والمنح الطبية والدراسية والاعتمادات
الرئاسية.
قالت عجلة الزمن للرئيس: إن لم تنزع الفاسدين والنهابة وتقدمهم للمحاكم، سينزعك الناس ويقدمونك إلى محاكم التاريخ.
على الرئيس أن يفكر للحظة في سياسته البليدة، وأن يتذكر طريقته في حل
القضية الجنوبية التي ذهب أبناؤها طواعية إلى الوحدة، كيف ينظرون إليها
اليوم!؟ ليست أكثر من فخ وقعوا فيه.
وصعدة كم أحرقتها ألسنة لهب الحرب منذ ست سنوات؟ حروب عبثية أنهكت كل
مؤسسات الدولة: العسكرية والأمنية والمالية والاقتصادية والإعلامية.
وتعز سادها هدوء يسبق عاصفة ستقتلع كل يابس ورطب، والحديدة ترتفع درجة
حرارتها كلما ارتفع عدد الأراضي المنهوبة، وأحزاب المعارضة وصلت مع الرئيس
إلى مفترق طرق، فالاشتراكي شريك الوحدة هو اليوم المقصي والمُحارب
والمُصادر في كل شيء، والإصلاح الحليف الإسلامي الأقوى وصاحب الفضل في
تثبيت دعائم حكم الرئيس في البدايات الأولى وشريك المحن، وصلت علاقته
بالرئيس إلى طريق اللاعودة، ولا أظن شيئاً جرح كبرياء الإصلاح مثل قول
الرئيس "للجزيرة" أثناء الانتخابات الرئاسية 2006م: الإصلاح كان مجرد ورقة
استخدمتها وقد انتهت، ثم يصف الإخوان المسلمين بـ"الإرهابيين".
هكذا الرئيس يضع في كل طريق لغماً ثم يستدعى الفرقاء أن يأتوا إلى طاولة
الحوار، فيرفضون المجيء لأنه لا يمكنهم المغامرة والمشي في طريق الألغام
قبل نزعها وإثبات حسن النوايا أولاً.. أما وقد نزل الناس إلى الشارع،
ووحدتهم المجازر وأضاءت الدماء دروبهم، فلا فعل إلا الرحيل.
لقد تكالبت المشاكل وتضافر الفرقاء في وجه الرئيس حتى أصبح كالساحر العاجز عن تصريف الجن الذين جلبهم بتعويذاته.
ويزداد الوضع سوءاً مع تمسك الرئيس بحلوله التقليدية منذ 33 سنة.
كتب مايكل ماكوبي في تقرير أعده لمجلة "هارفرد بزنس" حول أساليب الإدارة
اليابانية: "لقد قال لي مدير مصنع تويوتا: أعتقد أنكم في الغرب لديكم نظرة
مختلفة للأفكار، إن ما تسمونه شكاوى، نسميه أفكاراً، أنتم تحاولون حمل
الناس على التوقف عن الشكوى، أما نحن فنرى أن كل شكوى هي فرصة للتطور"..
وهذا ما يستشهد به كينيث كلوك وجون سميث في كتابهما "تسوية الصراعات في
العمل".
ويواجهنا السؤال المحرج: ماذا لو كان علي عبدالله صالح رئيساً لشركة تويوتا ؟!
من واقع تعاملات الرئيس مع أزمات الوطن المختلفة نجد الجواب: إن آخر موديل
ستنتجه الشركة من السيارات هو موديل 1978م، بمعنى أنه سيصل إلى رئاسة
الشركة وينتج موديلاً ويتوقف عنده، ولن يطور فكره أو يجدد أساليبه، أو يغير
حلوله وابتكاراته، فهو رجل يحافظ على عقله "جديداً" ولم يستخدمه حتى
الآن!!
بين عامي 2004 -2005م كنا نرى المتقاعدين العسكريين والأمنيين يتظاهرون
بأدوات سلمية نبيلة أمام وزارتي الدفاع والداخلية ومجلسي النواب والوزراء،
والإعلام والسلوك الرسميين لا يرون فيهم أكثر من مرتزقة فقدوا وظائفهم
وامتيازاتهم بسبب سلوكهم الانفصالي، وأرادوا اليوم أن يأخذوا حصتهم من فتات
النعم، حتى تضخمت المشكلة، وتكاثر المتقاعدون وأضيف لهم المتقاعدون
المدنيون، وأصحاب المظالم، والمنهوبة أراضيهم، وحشدوا الرأي العام الجنوبي
إلى صفهم ولوحوا بعصا الانفصال، هنا اعترف النظام بقضيتهم وشكل اللجان
وأعاد كلاً إلى موقعه ومنحهم رواتبهم طوال فترة التوقف الإجباري عن العمل.
لقد شعرت بفداحة الأخطاء المرتكبة عندما وجدت في الصحف الحكومية اسم شاب
–أظن اسمه نبيل- في الـ36 من العمر برتبة ملازم أول ومقيد في كشوفات
المتقاعدين العائدين إلى وظائفهم... قاعدوه باكراً لأنه جنوبي فقط، أما
القبيلي "العسر" يظل في الميدان حتى يتدخل عزرائيل شخصياً.
على نظام صالح أن يتذكر أن عدد الجنوبيين العاملين في مكتب الرئاسة بصنعاء
بعد حرب 1994م كان 250 موظفاً، وفي 2007 عددهم 25 موظفاً فقط. إقصاء
وتهميش وتطفيش وتقاعد حتى ضاق الناس.
وحين تضيق السبل وتُسد طرق الحلول، يكون للناس أدواتهم في التعبير عن
أزماتهم السياسية والنفسية، فالأستاذ هيكل يرى أن الموسيقى أدت دوراً مهماً
في التعبير السياسي خلال الستينيات والسبعينيات، وأرى في اليمن أن النكتة
لعبت دوراً محورياً في التنفيس السياسي عن كبت الناس، وضيقهم من انحراف
وظيفة الدولة من راعية للوطن والناس إلى ناهبة للثروات والحريات والسلطات،
وجميعنا يتذكر طرفة الحضرمي الذي سأله الإعلام الرسمي عن الوحدة؟ فأجاب:
الوحدة زينة بس طولت!! وطرفة المرأة العدنية التي قصّت للشيخ رؤية الرجل
الذي رأته في المنام وشرحت أوصافه، ظناً منها أنه المهدي المنتظر، فقال
لها: لا يا ابنتي هذا مهدي مقولة!! والأخير يعمل قائداً للمنطقة الجنوبية
العسكرية، وأحد أكبر نهابة الأراضي في الجنوب.
لقد قدم الرئيس خلال العشر السنوات الأخيرة أكثر من 20 مبادرة، منها
مبادرات لحل القضية: الصومالية والعراقية والسودانية والفلسطينية، وإعادة
هيكلة الجامعة العربية وأخرى لهيكلة الأمم المتحدة، والناس ينتظرون منه
الآن.. الآن.. تقديم مبادرة الرحيل.
[color:f23a=#00f]المصدر أونلاين