سنة أولى بلادة!! عارف أبو حاتمarefabuhatem@hotmail.com
توجه جديد، سخيف، ينحدر إليه واحد من المثقفين الذين حولهم النظام إلى
مماسح، وخرق غير صالحة للاستخدام الآدمي.. يتحدث أحمد الصوفي السكرتير
الإعلامي لرئيس الجمهورية لقناة الجزيرة منتحلاً اسم "عبدالله محمد" أحد
شباب الثورة، يقول للمذيعة "اتجه الآن إلى مكتب رئيس الوزراء، والشباب
حصلوا على أوراق مهمة.. سيحاكمون الجنود الذين أطلقوا النار في الميادين..
وأرى أمامي عشرات الجثث.. أخشى أن يكون الطاغية علي عبدالله صالح قد فر من
القصر". يضيف: "هناك إطلاق نار هل تسمعينه الآن"؟ ترد المذيعة بحصافة: "لا
أسمعه، صفه أنت لنا". لم يكن هناك أصوات رصاص إلا في رأس الصوفي، الذي كان
يتحدث من مكان هادئ جداًً، وبفعل مؤثرات ("بلدي"... وإن جارت علي عزيزة)،
ثم يظهر من الإعلام الرسمي يعلن قبحه: "الجزيرة اتصلت بي ولقنتني هذا
الكلام"!!
منذ بدء الثورة اتصلت بي الجزيرة وغيرها من القنوات عشرات المرات، لا
يقولون لي غير كلمة واحدة: ما هي الصفة التي تريد الظهور بها؟ وقناة بحجم
الجزيرة لا ينقصها أحمد الغبي، لكي تبرز أو تظهر قيمتها، غير أن الصوفي
الذي عمل سكرتيراً إعلامياً لعلي سالم البيض قبل سقوطه، واليوم يؤدي ذات
الوظيفة عند علي صالح قبل سقوطه، قرر أن يطلق رصاصة الرحمة على مكانته
الثقافية والاجتماعية.
لا غرابة إذن من سماع الرئيس صالح وهو يقول الشيء ونقيضه في سطر واحد،
ويجمع عشرات المتناقضات في خطبة وداع واحدة... منذ عشر سنوات وجلساء أمير
قطر حمد بن خليفة هم العقول المستنيرة: عزمي بشارة، منير شفيق، برهان
غليون. وجلساء علي صالح هم الحكماء: الآنسي، بورجي، الشاطر، الصوفي،
البركاني!! وهذا ما يفسر الوضع الطبيعي لمكانة قطر الآن، وموقع اليمن
اليوم!!
في كل الحوادث والأزمات والمواقف الطارئة، يتجسد إدمان النظام على تبريرات
ساذجة، وتخريجات شوهت قيمة الهوية اليمنية، والذاكرة الجمعية مليئة بعشرات
الدلائل:
من حادثة محاولة اغتيال أحمد علي نجل الرئيس في ابريل 2004 بعد نشر الخبر
في وكالة "قدس برس"، حين تم اعتقال مراسل الوكالة الزميل سعيد ثابت، وطوال
أكثر من أسبوع لم ينفِ النظام أو يؤكد الحادثة، فقط استخدم لغة الترهيب
والزنازن، وصولاً إلى مجزرة الأربعاء الماضي والنظام يقدم تبريراته
الساذجة: عناصر تابعة للإصلاح وحميد الأحمر تطلق النار على المتظاهرين
سلمياً!! مروراً بتبرير قضية الحراك الجنوبي السلمي بأنه "مجموعة إنفصاليين
فقدوا مصالحهم"، والحوثيين "إماميين وكهنوتيين"، وشباب الثورة "مغرر بهم"،
وقادة المعارضة "خارجين عن القانون"، والتقارير الدولية "اعتمدت على
معلومات خاطئة"، والصحفيين "عملاء الخارج"، والشعب موزع درجات تتراوح بين:
النظارات السوداء، وأصحاب النفوس المريضة، والحاقدين على الوطن، ودعاة
الفتنة، والإرهابيين، والمرتزقة، والنساء الثائرات العفيفات وضِعنَ في بند
واحد: "عيب الإختلاط"!!
المواقف تتشابه والمسوغ ذاته.. سفير اليمن لدى سوريا أحمد الحسني يغادر
دمشق ويطلب اللجوء السياسي في بريطانيا، وسريعاً تقدم التبرير الرسمي:
"الحسني معتوه، ويعاني أمراضاً عقلية ونفسية"، دون التفكير بأن رجل بهذه
المواصفات مكانه الطبيعي المصحة، وليس السفارة.. أتذكر أن السفير اليمني في
القاهرة الدكتور عبدالولي الشميري، قال لي في رمضان 2005 وأنا على مأدبة
عشاء بمنزله بصنعاء: "قابلني صديقي فاروق الشرع وزير الخارجية السوري
"حالياً نائب الرئيس" وقال لي مازحاً: "يا دكتور عبدالولي إذا اليمن عينتك
سفيراً في سوريا، لن أقبلك إلا بشهادة طبية تثبت سلامتك العقلية
والنفسية!!" وسفير عربي مازح سفيراً يمنياً آخر: انتو بتعينوا المجانين
سفراء وإلا إيه!!
معذورون فهم لا يعرفون أن في اليمن مختلاً واحداً فقط!!.
شرفاء المؤتمر الحاكم يستقيلون احتجاجاً على وحشية النظام، فيرد الأخير:
"الحزب الآن يتطهر من العملاء والدخلاء"، ولكم أن تتخيلوا كيفية "الطهارة"
على الطريقة المؤتمرية!!
اللواء علي محسن يؤيد ثورة الشباب، فيتحول من بطل وقائد إلى مدعو وإرهابي
وصاحب سوابق، ثم تزوره لجنة وساطة نصفها "بلاطجة ومدسوسون" وتفشل في محاولة
اغتياله، فيقيم الإعلام الرسمي الدنيا على رأس "المدعو محسن" ويتهمه
بالقتل والإرهاب، ولم يمضِ شهر حتى بعث الرئيس ببرقية اعتذار للواء محسن
والشيخ أحمد أبوحورية ومشائخ بني بهلول وبلاد الروس وسنحان، وفي عشية
الحادثة قدم الرئيس 16 سيارة تابعة للرئاسة إلى المشائخ كتحكيم وإرضاء بسبب
الحادثة!!
نظام حتى في مناسباته لا يعرف كيف يتحدث، لا يزال في مقاعد سنة أولى
بلادة، أحد القراء بعث لي أكثر من رسالة دوّن فيها ملاحظاته حول مقالاتي،
واختتمها بأنه طالب سنة أولى جامعة، شعرت بالخجل أن أرد، فأنا أمام شاب
أكثر وعياً وثقافة وقدرة في التعامل، على الأقل أكثر فهماً من رموز النظام.
في 19 سبتمبر الماضي أعلنت وزارة الدفاع أن "وحدة مكافحة الإرهاب انضمت
لعملية ملاحقة القاعدة بشبوة"، بعد شهر من بدء العمليات تنضم وحدة
الإرهاب!!، لأنها متفرغة لمكافحة الحريات، وملاحقة الصحفيين، وفي 7 مايو
الماضي أعلنت الوزارة أيضاً أن "غواصون من القوات الخاصة ينتشلون جثة شاب
غرق بحوض تجميع مياه بنقم صنعاء"، الأصل إنقاذ روح، أما انتشال جثة فـ"ما
لجرحٍ بميتٍ إيلامُ"، ويبدو أن القوات الخاصة قد "غاصت" في الفضيحة!!
* عن الناس.