«ثورة الشباب» تحاصر صالح في صنعاء منذ 4 أشهر وتمنعه من التحرك بعيداً عن قصر الرئاسة المصدر أونلاين-الشرق الأوسط-عرفات مدابش
منذ اندلاع الاحتجاجات المنادية بإسقاط النظام في اليمن، بات الرئيس علي عبد الله صالح محاصرا في العاصمة صنعاء ولا يستطيع، على ما يبدو، مغادرتها، ولعل أبرز مثال على خشيته مغادرة العاصمة، رفضه السفر إلى العاصمة السعودية الرياض لتوقيع الاتفاق الذي توصلت إليه المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن وهو الرفض الذي برره بخشيته من حدوث انقلاب عسكري إثر سفره، كما حدث مع الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع.
فقد فرضت الاحتجاجات المتواصلة والمتمثلة في الاعتصامات في ساحات التغيير والحرية بالعاصمة صنعاء وعواصم معظم المحافظات اليمنية، على الرئيس علي عبد الله صالح أن يظل حبيس صنعاء، في البداية، ومن ثم حبيس دار الرئاسة مقر سكنه وإدارة الحكم، التي بات لا يغادرها سوى يوم الجمعة من كل أسبوع، فقط عندما يطل على مؤيديه الذين يتم جمعهم من المحافظات إلى ميدان السبعين المجاور لدار الرئاسة ليلقي فيهم كلمة مقتضبة ثم يغادر المكان عائدا، وهذا من واقع رصد الأنشطة الرسمية للرئيس صالح، وخلال الآونة الأخيرة وعندما كان يلتقي بشخصيات قبلية ووفود شبابية أو غيرها مؤيدة له، كانت جميع هذه اللقاءات تجري في دار الرئاسة وليست في المناطق التي قدم منها المؤيدون أو في أماكن عامة، إلا فيما ندر.
فعلى المستوى الداخلي، كان آخر خروج للرئيس صالح من صنعاء، هو زيارته إلى محافظة حضرموت في الأول من يناير (كانون الثاني) مطلع العام الحالي، التي استمرت حتى الخامس من ذات الشهر يوم عاد إلى صنعاء، وقام خلال تلك الجولة، بزيارة محافظات حضرموت وتعز وعدن ولحج وأبين، ولم يغادر العاصمة، من حينها، إلى أي محافظة أخرى، وهو المعروف عنه زيارة المناطق والالتقاء بأنصاره من وجهاء القبائل والشخصيات الاجتماعية والحزبية البارزة، أما على مستوى زياراته الخارجية، فقد كانت آخر مرة غادر فيها اليمن، في الـ19 من يناير الماضي وكانت إلى شرم الشيخ، بجمهورية مصر العربية للمشاركة في القمة العربية الاقتصادية التنموية الاجتماعية وهي القمة التي التقى على هامشها عددا «من إخوانه القادة العرب المشاركين في القمة وبحث معهم مجالات التعاون الأخوية بين اليمن وبلد كل منهم وآفاق تعزيزها، فضلا عن التشاور إزاء المواضيع المدرجة على جدول أعمال القمة».
وبعد أن اندلعت الاحتجاجات أو «الثورة الشبابية»، مطلع فبراير (شباط) الماضي، لم يستطع صالح مغادرة اليمن إلى أي دولة، فقد اعتذر في الـ13 من ذات الشهر، عن تلبية دعوة من الرئيس باراك أوباما لزيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وقال مصدر مسؤول في الرئاسة اليمنية، حينها، إن سبب تأجيل الزيارة يرجع إلى «الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة». وأضاف أنه «سيتم التواصل عبر القنوات الدبلوماسية بين البلدين لتحديد موعد آخر للقيام بالزيارة في وقت لاحق».
ويرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، الدكتور عبد الله الفقيه أسباب عدم مغادرة صالح صنعاء أو اليمن، إلى 3 أسباب، على الأقل، الأول هو «خوفه من انقلاب تقوم به قوات الجيش أو الأمن أو القوات المنشقة بقيادة علي محسن الأحمر، ويعرف صالح أن محسن أكثر نفوذا منه في كافة مفاصل الجيش والأمن بما في ذلك الحرس الجمهوري، ومشكلة صالح أنه لا يستطيع التعامل مع شكوكه في هذه المرحلة، لأن أي تعامل مع العناصر التي يشك في ولائها سيكلفه ثمنا أكبر، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بإخوانه»، أما السبب الثاني فهو «خوف صالح في حال خروجه من العاصمة من حدوث أي تصعيد من قبل قوى الثورة والواضح أنه لا يثق في قدرة نجله وأبناء أخيه الذين يفتقرون إلى الخبرة في التعامل مع أي تطورات أمنية وإلى الولاء الحقيقي، على التعامل مع أي تطورات غير محسوبة وغير متوقعة»، والسبب الثالث الذي يطرحه الفقيه في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، فهو يتعلق بـ«الحماية الأمنية، فصالح لا يضمن أمنه وسلامته إن سافر برا ولا يضمن القدرة على العودة إن سافر جوا ويخاف كذلك أن تعترض قوى قبلية موكبه هنا أو هناك ويخشى صالح أن يتم اعتقاله حتى أثناء تحركه في مناطق معينة داخل العاصمة صنعاء».
لكن الصحافي المقرب من السلطة في صنعاء، طه العامري، يعتقد أن بقاء الرئيس علي عبد الله صالح في صنعاء وعدم مغادرته لها في الظروف الراهنة «أمر طبيعي ومنطقي وليس فيه ما يستحق التساؤل والاهتمام، فهذا رئيس جمهورية وتعاني بلاده من أوضاع استثنائية معقدة ومركبة وتختلف أوضاع اليمن عن مثيلاتها في الدول العربية، خاصة أن التركيبة السياسية والاجتماعية في اليمن متميزة هي، أيضا، لأننا باختصار شعب لم يعتد على احترام المؤسسات السيادية والدستورية بدليل ما يحدث في الشارع اليمني اليوم من انقلاب على كل الثوابت والنظم والتشريعات الدستورية التي وإن كانت قاصرة ولم تلب الحاجة المطلوبة جماهيريا لكن يظل وجود هامش هذه المؤسسات والنظام خيرا من عدمها».
ثم يضيف العامري لـ«الشرق الأوسط» أن بقاء «فخامة الأخ الرئيس في العاصمة لا يعني (الخوف) ولا يجب أن يفسر بهذا بل هناك ضرورة لبقائه في العاصمة لمتابعة تداعيات الأحداث عن قرب والتواصل مع جميع الأطراف والإشراف المباشر واليومي على معطيات الأزمة، وهذه المتابعة من قبل فخامة الأخ الرئيس انعكست بصورة إيجابية على مسار الأحداث، إذ تمكن فخامته من تأطير مسار الأزمة ومنع انفلاتها باتجاه الاحتراب المدمر بين الفرقاء في ظل خطاب تصعيدي وغير مسؤول من قبل (المعارضة) التي تبنت منذ الوهلة الأولى لخطاب تحريضي منفلت خال حتى من أبسط قيم الحصافة والمسؤولية»، كما أنه يعتقد أن بقاء صالح داخل العاصمة، هو أيضا لـ«متابعة تطورات الأحداث وتعقيل أطرافها، وهذه مسؤوليته في تحقيق الأمن والسكينة لكل الشرائح الاجتماعية»، ويقول إن الرئيس «يحرص على المعارضة كما يحرص على من هم في السلطة وتكدره الحوادث المؤسفة وسقوط الضحايا، ولذا نراه يتحلى بكثير من مقومات الحكمة والصبر حتى في ظل هذا التصعيد المسيء الذي تتبناه المعارضة وخاصة اللقاء المشترك»، ويعتقد أن بقاء الرئيس صالح في صنعاء «ظاهرة طبيعية وفعل مقبول وربما هذا البقاء قد ساعد على تجنب الكثير من الأحداث التي ربما كانت قادتنا إلى هاوية سحيقة من الاحتراب، ويعود الفضل في هذا لفخامة الأخ الرئيس، الذي يظل صمام أمان للوطن والسكينة بغض النظر عن طروحات الآخرين وتفسيراتهم».