صالح يسجل خلال شهر ونصف هو عمر الثورة أكبر معدل من الخطاباتاليمن: جدل الرحيل
يمنية مع ابنتها تلوح ببالون في جامعة صنعاء امس (رويترز)
صنعاء: عرفات مدابش
عندما انتهى الرئيس علي عبد الله صالح من شركائه الجنوبيين وأزاحهم عن السلطة والشراكة في الوحدة في حرب صيف عام 1994، لم يكن ليتصور أنه سيأتي اليوم الذي يطالبه فيه شعبه بالرحيل بعد موجة التأييد الشعبية العارمة حينها، حيث كانت الأوضاع والأمور كافة تحت سيطرته.
اليوم هناك مئات الآلاف من اليمنيين من مختلف الشرائح الاجتماعية وألوان الطيف السياسي، يفترشون ساحات الاعتصام في معظم المحافظات اليمنية للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح وأسرته عن الحكم، ولم يقتصر هذا المطلب أو الأمنية على الشعب عامة من ساسة وقبائل ومجتمع مدني ومثقفين؛ بل امتد ليشمل قطاعا واسعا من ضباط وأفراد القوات المسلحة والأمن، سواء الذين أيدوا «ثورة الشباب»، أو الذين انضموا مباشرة إلى ساحات التغيير والحرية في معظم المحافظات.
ولعل الرئيس صالح سجل خلال الشهر ونصف الشهر الماضي، أي خلال عمر هذه الثورة، أكبر معدل (من الخطابات) للكلمات التي يلقيها واللقاءات التي يجريها بشرائح اجتماعية مختلفة لأغراض عدة، ولعل المعلن منها هو تأييد من يلتقي بهم له ولنظام حكمه أو لما يسميه هو «الشرعية الدستورية»، لكنه، حتى اللحظة، لم يلق خطابا رسميا موجها إلى الشعب لاستعراض التطورات الراهنة في البلاد ومواقفه منها، وجعلت تحركاته المكثفة مؤخرا، العديد من المراقبين يتساءلون عن سر غياب أو صمت بقية قيادات الدولة والحزب الحاكم، وأدوارهم في الساحة حيال الأزمة التي تعصف بالبلاد.
ومنذ انطلاق هذه الثورة في فبراير (شباط) الماضي، إلى جانب اللقاءات بمختلف الشرائح، قام صالح بالعديد من الخطوات في محاولة لامتصاص تحركات الشارع ضده؛ فقد سعى إلى كسب أو تجديد ولاءات بعض القبائل، وأقال الحكومة وكلفها بتصريف الأعمال، وتقدم بمبادرات عديدة للمعارضة التي يتهمها بتحريك الشارع ضده، وتلك المبادرات التي تقدم بها كانت من مطالب القوى السياسية اليمنية منذ سنوات طويلة ولم تكن تحلم بأن تتحقق، لكنها اليوم ترفضها وتتمسك بمطالب الشارع وهي «الرحيل».
وخلال فترة حكمه لأكثر من 32 عاما، لم يكن علي عبد الله صالح يتصور، ولو للحظة واحدة، أن هناك من سيطالب بالصوت المرتفع بأن يرحل ومن معه من أقربائه، لكنه في مبادراته قدم تنازلات كانت المعارضة ستقبل بها قبل مطلع مارس (آذار) الحالي، وكان الوقت متاحا، كما يرى المراقبون، لتطبيق 50% فقط مما قدمه خلال جولات الحوار للعامين الماضيين، كما أنه، وإلى وقت قريب، كان موضوع توريث الحكم في حكم المسلمات، لكن التطورات الأخيرة جعلت صالح يعلن صراحة أن «لا تمديد وتصفير للعداد ولا توريث للحكم» لنجله الأكبر، العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح، قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة.
وأدار ويدير الرئيس اليمني الأزمة حاليا في شقها السياسي، بمحاولات متواصلة لجعل أو تصوير الاحتجاجات المطالبة برحيله بأنه أزمة سياسية بين نظام الحكم والمعارضة، وليست احتجاجات شعبية، ولعل هذا ما يفسر رفض المعارضة لما تقدم به دون «رحيل فوري»، فالمراقبون يعتقدون أن صالح يناور ويلعب لعبة سياسية تهدف إلى «إحراق» المعارضة في «تكتل اللقاء» المشترك، ويقول المراقبون إنه وبعد الانضمام الرسمي للمعارضة إلى «ثورة الشباب»، فإن أي صفقة أو اتفاق سياسي ستبرمه مع صالح دون «رحيل فوري»، يعني إحراقها في الشارع وفقدانها قطاعا كبيرا وواسعا من أنصارها ومؤيديها ومن عامة الشعب.
وخلال الأسابيع الماضية على الثورة والاحتجاجات، لم يعلن علي عبد الله صالح قط أنه لن يرحل عن السلطة، ولكنه، وكما تبين من خطاباته المتواصلة، يريد أن يترك السلطة بإرادته هو وأن يحافظ على بقاء نظامه، وقد أفصح في اليومين الماضيين، وبصراحة، أنه لن يسلم السلطة للمعارضة وبالأخص الإخوان المسلمون.
وبينت الأزمة الراهنة في اليمن، أن صالح يراهن في بقائه في الحكم على أمور عديدة ويضغط باتجاهها بالقوة، فهو يهدف في المقام الأول إلى أن تنفض الاعتصامات، وهو الأمر الذي يعني «فشل الثورة»، ومن خلال طروحاته الأخيرة، فإنه يستخدم العديد من الأوراق لتحقيق الهدف المشار إليه؛ فهو أولا يحذر، وأحيانا يهدد بحرب أهلية إذا ترك السلطة لأن الشعب اليمني «مسلح»، وكما قال مرات عدة إن الفوضى إذا عمت البلاد سيستغلها تنظيم القاعدة، وستقسم اليمن وستنشطر إلى أكثر من شطر، بمعنى قيام أكثر من دولة في الجنوب ومثلها في الشمال. لكن الأصوات المعارضة تقول، ما معناه، إن البلاد لن تتعرض لأي شيء مما يطرحه من مخاوف وتحذيرات وإن «القاعدة» ستنتهي لأنها «صناعة رسمية» حسب أطراف المعارضة، التي تستشهد على ما تطرحه من أن صالح هو سبب كل المشكلات، بتراجع الخطاب المطالب بـ«الانفصال» في الجنوب، منذ بداية الثورة واستبدال هتافات وحدوية به في جميع المحافظات.
ويقول الدكتور عبد الباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، إن صالح يدير «أزمته المتفاقمة، وفقا لحالتين تتداخلان وتنفصلان؛ الأولى براغماتية حسابية للمعطى الداخلي وخارطة التحالفات والقدرات وتموضعاتها على مستوى الحقل السياسي والعسكري والاجتماعي والديني والخارجي وموجة التغيير التي تشهدها المنطقة العربية ونتائجها وموقف المجتمع الدولي من خيار العنف أو الحرب»، أما الحالة الثانية فهي «تماثل الرئيس صالح والدولة بعد كل هذا العقود وما عرفته من أزمات، التي تمكن الخروج منها دوما منتصرا، علاوة على تجميع تدريجي للقرار في يده متزامن مع إقصاء مكونات عديدة وإضعاف مؤسسات الدولة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني التي دشنت بعد حرب صيف 1994، ورافق كل ذلك سياسية إعلامية أضفت عليه الشرعية الوطنية كمحقق وحيد للوحدة اليمنية واعتماد تاريخها يوما وطنيا، واعتبار ثورتي سبتمبر (أيلول) 1962 وأكتوبر (تشرين الأول) 1963، ورموزهما، مقدمات مهمة و(لكنها) ثانوية»، وأشار إلى أن الظروف التي أدت إلى التطابق بين الدولة وشخصية الرئيس علي عبد الله صالح، جعلت من «الفصل بينهما أمرا في غاية التعقيد».
ويعتقد شمسان، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن من «سوء حظ الرئيس صالح»، أن التحولات الجارية في اليمن والمنطقة، جاءت «وليس لديه حليف من حلفائه، نتيجة لأسباب عديدة؛ منها شعوره بعدم الحاجة إليهم ما دام يمتلك القدرة العسكرية والأمنية وولاءها له ولأقربائه»، ثم يؤكد أن صالح تخلص «تدريجيا من المستشارين الحكماء والمبادرين وليس المبررين للأفعال والسياسيات بعد حدوثها مهما كانت غاياتها، وهذه ما جعل تلك النخبة السياسية المقاولة تدير الأزمة مسقطة من مدخلاتها رحيل رأس السلطة ودون إدراك للحالة الثورية التي تتطلب استباق مطالب الجماهير»، ويقال إن صالح لو كان «بادر باقتراح تسليم السلطة قبل شهر من الآن، لكانت الأحزاب والجماهير والمفكرون طالبوا بتمديد الفترة لنقل السلطة في بيئة دستورية وموضوعية تحقق انتقالا سلسلا وبأقل (نزعيات)».