صالح يعيد الأزمة إلى المربع الأول: لن أسـلّم السـلطة إلـى المجهـول
بعد يوم على إعلان استعداده لترك السلطة «بصورة مشرّفة»، عاد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ليؤكد ان مغادرته السلطة «ستؤدي بالبلد إلى المجهول»، وتقسّمه الى «اربعة أشطار» رافضاً تسليم الحكم للمعارضة، في تزامن مثير للريبة مع تكثيف «عناصر مفترضة» من تنظيم «القاعدة» للعمليات العسكرية في جنوب البلاد. وفيما استخدم في السابق ورقتي تنظيم «القاعدة» والحوثيين تهديداً للداخل والخارج، ضم صالح اليهما امس ورقة «الإخوان المسلمين» معتبراً انهم «سيكونون أكثر طوعاً للقوى الخارجية». وفي هذا الوقت، اعاد الحزب الحاكم عقارب الساعة الى الوراء في استرجاع لمبادرات الرئيس الاولى، وسط اتهام المعارضة لصالح بنقض اتفاق بينهما نص امس الاول على نقل السلطة بشكل سلمي.
في هذه الأثناء، اعلن وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس ان سقوط صالح وتسلم حكومة «أكثر ضعفاً» مكانه سيطرح «مشكلة فعلية» للولايات المتحدة في مكافحة تنظيم «القاعدة». وقال غيتس في لقاء مع شبكة «ايه بي سي» الإخبارية الاميركية «اذا سقطت هذه الحكومة وإذا حلت محلها حكومة أكثر ضعفاً، فسنواجه تحديات اضافية في اليمن، ما من شك في ذلك. انها مشكلة فعلية». وأضاف ان «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يتحرك انطلاقاً من اليمن ونحن نتعاون مع الرئيس صالح وأجهزة الامن اليمنية في مكافحة الارهاب».
من جهتها، اكدت اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر الحاكم ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة يوكل إليها مهمة صياغة دستور جديد للبلاد يقوم على أساس نظام حكم برلماني يعتمد على حكم محلي كامل الصلاحيات وقانون انتخابي يتضمن القائمة النسبية استناداً إلى مبادرة صالح واتفاق شباط 2009 بين الحزب الحاكم وتحالف «اللقاء المشترك» المعارض. ودعت اللجنة في بيان في صنعاء «كل أطراف القوى والفعاليات السياسية على الساحة اليمنية إلى تحكيم العقل وتغليب المصلحة الوطنية والترفع عما وصفته بالمشاريع الصغيرة واستشعار المسؤولية الوطنية وتفهم حجم المخاطر التي يمكن أن تقضي على وحدة البلاد وسلامة المجتمع».
وأشارت اللجنة بحسب البيان الى «ضرورة تنفيذ مبادرات الرئيس ولو من جانب واحد في حالة واصل تحالف أحزاب اللقاء المشترك تعنتهم وتصلبهم والمضي قدما نحو تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية». وشددت على أهمية الرؤى «التي قدمها رئيس الجمهورية لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة عبر اللجوء للحوار وفقاً للمرتكزات التي حددتها مبادرته المقدمة إلى الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى والمؤتمر الوطني العام، والنقاط الثماني المقدمة من أصحاب الفضيلة العلماء باعتبار أن تلك المرتكزات تمثل مخرجا واقعيا لحل الأزمة السياسية». وأكد أعضاء اللجنة ضرورة بقاء صالح في منصبه حتى نهاية فترته الدستورية في ايلول 2013 ، كما أكدوا ضرورة «وضع الإجراءات التنفيذية لترجمة ما جاء في مبادرتي رئيس الجمهورية وفي إطار خطة زمنية محددة».
وأتى اجتماع الحزب الحاكم بعدما اكد صالح في مقابلة مع قناة «العربية» الإخبارية استعداده للتنحي شرط «ألا يسلم السلطة الى المعارضة»، محذراً من انقسام اليمن الى «اربعة أشطار». وقال صالح «قلنا ونؤكد مرة اخرى اننا لسنا متمسكين بالسلطة، وأنا قد امضيت 32 سنة وهذه تجربة كبيرة جدا اريد نقلها سلمياً الى الشعب وليس الى الفوضى». واعتبر صالح ان مغادرته السلطة «ستؤدي بالبلد إلى المجهول» مؤكداً انه «مسؤول عن أمن وسلامة البلاد» وهو «ملزم الوصول بالبلد الى شاطئ الامان». وأضاف متوجها الى المعارضة «نقول لهم تعالوا نتحاور كيف ننقل السلطة سلمياً وبطريقة سلسة وننقلها للشعب وليس لكم فهذا بعيد عليكم بعد الشمس وإنما سنسلمها للشعب... والشعب هو الذي يختار قيادته». وأردف بالقول «اتحداهم ان يحلوا مشكلة حتى لو رحل الرئيس بعد ساعتين. اذا كنا شطرين في الماضي قبل 22 ايار 1990 سنصبح اربعة اشطار وهذا ما سيحصل ولن يستطيعوا ان يجلسوا إلا في العاصمة صنعاء او في محافظتين او ثلاث».
وشدد صالح على ان المعارضة تشكل اقلية بين اليمنيين و«غير مقبول ان اقلية في المجتمع تلوي ذراع الغالبية» مشيراً الى ان «الإخوان المسلمين» يمثلون التيار الرئيسي في المعارضة، في اشارة الى التجمع الوطني للاصلاح. وقال صالح «إن العالم الخارجي يبحث الآن عن المشروع الاسلامي بعد فشل المشروع الماركسي الاستراتيجي وكذلك المشروع القومي»، معتبرا أن «الاسلاميين سيكونون أكثر طوعا للقوى الخارجية وأنهم لديهم نزعة نحو التمسك بالسلطة من دون برامج». واضاف «أن الحركات الاسلامية ركبت الآن موجات الثوار في العالم العربي»، مشيرا الى أن الشعوب العربية بمن فيهم الشعب اليمني «مرعوبة من احتمال وصول الاسلاميين للسلطة».
وأكد صالح انه شارك يومي الخميس والجمعة الماضيين في اجتماع في بيت نائب الرئيس اليمني مع قيادات «المشترك» واللواء علي محسن الاحمر الذي انضم للحركة الاحتجاجية بحضور السفير الاميركي للبحث في «كيفية الخروج من الازمة الراهنة وما هي الطريقة لمعالجة هذه الازمة». وقال «نحن ليس لدينا مشكلة لتلبية مطالبهم برحيل النظام لكن لمن؟ وكيف؟»، مضيفاً ان قادة المعارضة يطرحون «رحيل النظام على التو خلال ساعات، خلال يوم، خلال يومين، خلال شهر، خلال 60 يوما.. هذه مطالبهم التي طرحت ونحن أيضا متمسكون برؤيتنا». وحذر صالح من ان بلاده «قنبلة موقوتة» مشيرا الى انه «اذا لم نعمل وتعمل معنا كل الدول الخيرة سواء كانت شقيقة او صديقة على رأب الصدع والانخراط في الحوار السياسي، فستكون هناك حرب اهلية مدمرة وستقلق المنطقة بشكل عام». ودعا صالح للحوار من اجل تجنيب اليمن «الفتنة» التي ستكون بحسب رأيه «فتنة صعبة وطويلة في اليمن من أصعب ما يمكن».
وكان أمين لجنة الحوار الوطني المعارضة حميد الأحمر قال في وقت سابق إن صالح نقض الاتفاق الذي تم التوصل إليه أمس الاول لتسليم السلطة. وأكد الأحمر أن الرئيس اليمني «نقض الاتفاق رغم أن المعارضة قبلت بشرطه الذي طلب من خلاله تسليم السلطة لنائب رئيس يعيّنه هو، وليس بالضرورة إلى نائبه الحالي عبد ربه منصور هادي». وأضاف أن صالح «لم يكتف بذلك، بل حاول تحريك الجيش لفرض سيطرته على العاصمة» التي يعتصم فيها منذ أسابيع الآلاف من معارضيه، لكن القبائل منعته من ذلك. وقال الأحمر في حديث الى قناة «الجزيرة» الإخبارية إنه كان من المفترض «أن يعلن صالح تنازله عن السلطة أمام مجلس النواب يوم السبت الماضي، إلا أنه نقض الاتفاق». واتهم الأحمر الرئيس بمحاولة الدفع ببعض عناصر تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب وعناصر من «الحراك الجنوبي» من أجل الاستيلاء على مراكز أمنية وعسكرية. وكانت «الجزيرة» ذكرت نقلا عن مصادر خاصة إن اجتماعات تعقد في صنعاء بحضور أحزاب المعارضة وحزب المؤتمر الحاكم ووفد أوروبي وأميركي لبحث آليات انتقال السلطة في البلاد. وأضافت المصادر أن من بين المشاركين ممثلا عن اللواء محسن.
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن آلية انتقال السلطة تتضمن مقترحاً بنقل السلطة إلى نائب الرئيس وتخلي صالح عن صلاحياته خلال ستين يوما، وعدم ملاحقته أو ملاحقة أبنائه وأقاربه، إضافة إلى تشكيل هيئة وطنية للإشراف على انتقال السلطة. وقال معاون لمحسن إن المفاوضات بشأن انتقال السلطة «توقفت مساء (امس الاول)» ولا يتوقع استئنافها .
من جهته، نفى وزير الخارجية أبو بكر القربي ما نقل عنه من أن انتقالا سلميا للسلطة في اليمن كان سيتم السبت الماضي أو أمس، مشيرا إلى أنه تحدث فقط عن أمله وسعيه في تحقيق هذا الانتقال. وقال القربي إن «الرئيس اليمني والحزب الحاكم يريدان انتقالا آمنا للسلطة، وإن ذلك يكون بالحوار وقد يستغرق وقتا»، واصفاً الحديث عن آليات اتفاق لتسليم السلطة بأنه «مجرد تسريبات لا يعرف مصدرها».
على صعيد آخر، قتل سبعة جنود وجرح سبعة آخرون في هجوم استهدف دورية للجيش اليمني في محافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء نفذه مسلحون. ونقل عن متحدث عسكري يمني قوله إن المهاجمين في مأرب «استولوا على سيارتين عسكريتين»، كما نقل عن مصدر قبلي قوله «إن الهجوم قاده عائض الشبواني» وهو أحد أبرز قادة «القاعدة» المطلوبين لدى الأمن اليمني.
وقتل جندي يمني آخر في هجوم نفذته عناصر مسلحة ضد مبنى حكومي في محافظة ابين الجنوبية، فيما اشتبكت قوات الامن مع مسلحين اسلاميين، حسبما افاد مسؤول امني. وكان الجندي يحرس المبنى الحكومي في مدينة جعار في المحافظة. في المقابل، اصيب عنصر يفترض انه من «القاعدة» بجروح خلال اشتباكات بين قوى الامن ومسلحين سيطروا على مراكز عدة للشرطة في جعار اضافة الى اذاعة محلية في المدينة.
وذكر موقع «الجزيرة» ان «مسلحين استولوا على القصر الرئاسي ومبنى الإذاعة في جعار»، مضيفاً ان «مسلحين هاجموا أيضا مركزا للشرطة فيما سيطر آخرون على مصنع ذخيرة في منطقة الحصن» في المحافظة.
(«السفير»، ا ف ب، رويترز، ا ش ا)