الوردة السمراء
سادت الكآبة في منزل أهل محمد ، وارتسمت ملامح الوجوم حتى على وجه أخيه الصغير الذي لم يجد من يلاعبه ويلاطفه ، عندما سمعوا بوفاة عمهم عبد الله . لم يقطع الصمت الطويل إلا صوت أبو محمد الذي كاد يجهش بالبكاء : سنسافر اليوم إلى القرية .
شعر محمد بحزن إضافي لأنه لا يعرف أحدا" في القرية ، ولا حتى أفراد أسرة عمه الذين رآهم منذ أكثر من أربع سنوات مصادفة .
فقال لأبيه : سأبقى هنا في المنزل .
ثم شعر بالارتياح وهو تخيل نفسه وحيدا" في البيت ، يفعل ما يحلو له دون موجه أو رقيب 0 لكن والده أصر على أن يذهب برفقة العائلة ، لا سيما أنه كبير إخوته ، ويجب أن يقوم بواجب العزاء تجاه أسرة عمه ، وأنهى والده كلامه بقوله : كن رجلا" ..... ولا تتصرف كالأولاد .لم يشأ حتى الاعتراض على والده المفجوع بموت أخيه .
عندما وصلوا منزل عمهم المتوفى التقوا بأقاربهم جميعهم وقد هرعوا من كل مكان لحضور الجنازة . أدرك هنا محمد أن رأي أبيه كان صائبا" فقد كان التعرف على الأقارب أمرا" جيدا" برغم أجواء الحزن المسيطرة على الجميع .
لم يعد يذكر كيف بدأ يشعر بجمال أصغر بنات عمه المتوفى ، فلم تقدر الثياب السوداء ، أو العيون المحمرة من كثرة البكاء، أو ملامح الحزن الشديد على وجهها الأسمر على إخفاء جمالها الرائع بل أضفى عليه لمسة من حنان فياض ، مما جعله يتساءل : أين كنت كل هذه السنوات غائبا" عن هذا الجمال ؟!
كان كلما التقت عيونهم في نظرة عابرة ، يراها تخفض عينيها وقد احمرّ وجهها فسأل نفسه : أتخجل من نظراتي ..... ؟ أم هي غاضبة من سلوكي هذا ..... ؟
وما عساها تفكر في هذا الوقت وهي المفجوعة بوفاة والدها ؟! رآها منفردة في إحدى حجرات المنزل تتأمل صورة والدها المعلقة على الجدار وهي تذرف الدموع بصمت . اقترب منها وأخذ يخفف عنها حزنها ويواسيها .
انتهت أيام العزاء وعادوا من القرية وصورة وجهها الأسمر الناعم لم تفارقه ، لاحظ والده أن ابنه يجلس في غرفته منزويا" عن باقي أفراد العائلة ويريد أن يصرّح لهم بشيء لكنه متردد . قطع عليه والده عزلته ودخل ليعرف ما هي حكاية ابنه فسأله بحيرة عن تصرفه هذا ! فأجابه أحببتها ، نعم أحببت ابنة عمي الصغيرة وأريد الذهاب إلى القرية لأراها وأبوح بحبي لها . فرد والده : الوقت غير ملائم وعمك لم يمض على وفاته أقل من شهران لم يقنع من كلام والده .
وصل إلى القرية طلب أن يجلس مع وردته السمراء ، اقترب منها وابتسم لها فخفضت بصرها عندها وجد نفسه يهمس بأذنها كلمة واحدة : أحبك !
على الرغم عنها افترت شفتاها الرقيقتان عن ابتسامة باهتة لمتها بسرعة ثم قالت بغضب مصطنع لا يليق بوجهها الوديع : برأيك هل الوقت مناسب لهذا الكلام ؟!
خمّن أن غضبها غير حقيقي ، بل ناتج عن عدم اللباقة في طرح مثل هذه المواضيع في هذا الوقت فقال متصنعا" جديّة مبالغا" فيها : يكفي حزنا" ..... لماذا لا نتزوج ؟ حدّقت به بعينين اتسعتا دهشة ، وارتسمت ملامح الذهول على وجهها الجميل فأضاف مؤكدا" : كي نكوّن أسرة وننجب أطفالا" . لم تقدر على منع نفسها من الضحك بصوت عال سرعان ما خفضته . ربما لأنها تخيلت أنها والدة طفل صغير وأسمته على اسم والدها . فرفع يده ومسح على رأسها
منقول